الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يجزيك خيرا وأن يعينك على طاعته إنه ولي ذلك والقادر عليه ، واعلمي أنه لا حرج عليك في كشف وجهك إذا تحققت الضوابط الشرعية التالية :
أولا : ألَّا يمكنك تحصيل هذا التخصص في بلد آخر لا تحتاجين فيه لكشف وجهك .
ثانيا : أن تكون نيتك ومقصدك منه هو ستر عورات المسلمات ، بدلا من أن يتعرضن لكشفها أمام أطباء التخدير في غرف العمليات, والتي يكون فيها المرء فضلا عن المرأة في أغلب الحالات في لباس يكشف أكثر جسده كما هو معلوم .
ثالثا : أن تتيقني أو يغلب على ظنك أنك إذا لم تكشفي وجهك فسوف يعملون على طردك .
رابعا : ألا يكون في وجودك في هذا البلد أو كشف وجهك فتنة لك في دينك .
فإذا توفرت هذه الضوابط فلا حرج عليك في كشف وجهك بالقدر الذي يتم به تحصيل هذا التخصص وتثابين على نيتك إن شاء الله ، وإنما أفتينا بذلك مع أن ستر الوجه واجب على الراجح ، لأن مفسدة كشفه مع الاضطرار إلى ذلك أقل بكثير من مفسدة اطلاع الرجال على عورات المسلمات ، ومعلوم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان ، ومعرفة خير الخيرين وشر الشرين ، حتى يقدَّم عند التزاحم خير الخيرين ويدفع شر الشرين .
وقد حكى الله تعالى عن الخضر عليه السلام أنه خرق السفينة التي كانت لمساكين حتى لا يستولي عليها الملك الظالم الذي يغصب السفن الصالحة من أصحابها ، هذا مع أن خرقها مفسدة؛ لكن لما كان في فعلها دفع لمفسدة هي أعظم منها وهي ذهاب السفينة بأسرها واستيلاء الظالم عليها ، جاز دفع تلك المفسدة العظيمة بما هو أقل فسادا منها وهو الخرق الذي يمكن إصلاحه ، قال تعالى : أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا {الكهف: 79 } قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فتبين أن السيئة تحتمل في موضعين : دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها ، وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها ، وذلك ثابت في العقل؛ كما يقال : ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين ، وهذا باب التعارض.. باب واسع جدا ، لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة ، فإن هذه المسائل تكثر فيها. وراجعي للفائدة الفتوى رقم :56887 ، والفتوى رقم : 52183 .
والله أعلم .