الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالاستصلاح هو مايسميه بعض الأصوليين بالمصالح المرسلة ، وقد ذكره جماعة من أهل الأصول في مباحث الاستدلال ، ولهذا سماه بعضهم بالاستدلال والجواب ، وأطلق إمام الحرمين وابن السمعاني عليه اسم الاستدلال . قال الخوارزمي : والمراد بالمصلحة : المحافظة على مقصود الشرع بدفع المفاسد عن الخلق . وقال الغزالي : هي أن يوجد معنى يشعر بالحكم مناسب عقلا ولا يوجد أصل متفق عليه . وقال ابن برهان : هي ما لا يستند إلى أصل كلي ولا جزئي ، وقد اختلفوا في القول بهذا على مذاهب .... انتهى من (إرشاد الفحول ج 1 ص 403 ) . يعني أن الوصف إذا لم يرد الدليل على اعتباره ولا على إلغائه ، وهو مع ذلك فيه جلب مصلحة أودفع مفسدة ، فذاك هو المسمى عند أهل الأصول بالمصالح المرسلة أو الاستصلاح .
وقد ذكره صاحب مراقي السعود في ألفيته ممثلا له ، يقول :
والوصف حيث الاعتبار يجهل * فهو الاستصلاح قل والمرسل
نقبله لـــعمل الصـــحابـة * كــالنقط للمصحف والكتابة
تولية الصديق للفاروق * وهـدم جـار مسجــد للــــضيق
وعمل السكة تجديد الندا * والسجن تدوين الدواوين بدا
ويظن البعض أن القائل بهذا الأصل هو الإمام مالك وحده ، ولكنه قد وردت فتاوى كثيرة عن أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم ، اعتبروا فيها العمل بالاستصلاح ، قال الزركشي في كتابه " البحر المحيط " وهو في أصول الفقه الشافعي وهو يتحدث عن أقسام المصالح قال : القسم الثالث : ألا يعلم اعتباره ولا إلغاؤه ، وهو الذي لا يشهد له أصل معين من أصول الشريعة بالاعتبار ، وهو المسمى بــــــ " المصالح المرسلة " وسيأتي الكلام فيه ، والمشهور اختصاص المالكية بها وليس كذلك ، فإن العلماء في جميع المذاهب يكتفون بمطلق المناسبة ، ولا معنى للمصلحة المرسلة إلا ذلك . انتهى .
والله أعلم .