الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان الغالب على هذه المجموعة من القنوات هو إشاعة الفاحشة ببثها للأفلام الماجنة الهدامة والأغاني الهابطة التي تفسد الدين والأخلاق والقيم فإن الاشتراك فيها حرام شرعاً، والمستثمر فيها المالك لأسهمها يعتبر موكلاً لإدارتها على المنكر مفوضاً لهم في إشاعته بين الناس.
أما مسألة أن هذه المجموعة أطلقت قناة إسلامية فهذا شيء حسن، ولكنه لا يعفيهم من تبعة القنوات الأخرى الفاسدة, ولو أنهم أغلقوا هذه القنوات وكفوا شرهم عن الناس لكان هذا خيراً لهم وأجدى ولو لم يطلقوا تلك القناة.
فالواجب الشرعي على من تلبس بمعصية الله تعالى أن يتوب إلى الله عز وجل, وأول ما يفعل هو الإقلاع عن المعصية, فيطالب هؤلاء بالإقلاع عن المعصية ثم الإكثار من فعل الطاعات عسى أن يغفر الله لهم, ومن الطاعات أن يطلقوا قناة أو قنوات تدعو إلى الفضيلة وتحارب الرذيلة.
أما أن يصروا على معصيتهم ويمعنوا في محاربة الأخلاق والعفة, ويزعمون أن هذه السيئات تذهبها حسنة القناة الإسلامية، فهذا من تلبيس إبليس على هؤلاء، وهو ما وقع فيه المرجئه قديماً عندما استدلوا بقوله تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات. فقالوا: أن الحسنات تكفر كل سيئة كبيرة كانت أو صغيرة، وأطلقوا لأنفسهم العنان في معصية الله، أما أهل السنة فقد حملوا هذا المطلق على المقيد، والمقيد هنا هو ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر. رواه البخاري.
جاء في فتح الباري: وتمسك بظاهر قوله تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات. المرجئة وقالوا: إن الحسنات تكفر كل سيئة كبيرة كانت أو صغيرة وحمل الجمهور هذا المطلق على المقيد... وقال ابن عبد البر: ذهب بعض أهل العصر إلى أن الحسنات تكفر الذنوب واستدل بهذه الآية وغيرها من الآيات والأحاديث الظاهرة في ذلك، قال: ويرد الحث على التوبة في أي كبيرة فلو كانت الحسنات تكفر جميع السيئات لما احتاج إلى التوبة. انتهى.
وعلى كل حال فلم يقل أحد إن المسلم يبقى على الكبيرة ما دام يفعل الحسنات، فهذا لا يقوله مسلم، لأن الله أمر بترك الكبائر والتوبة منها، فقال: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31}، ولا ريب أن من الكبائر العظام بث قناة بله قنوات تقوم على التعري والرقص واستثارة الشهوات، وعلى كل من له تأثير فيه هذا الباب أن يتذكر الآتي:
1- أنهم مشاركون في كل سيئة نشأت عن هذا الفعل، لأنهم دعاة إليه فعليهم مثل ما يفعله من تأثر بما ينشرونه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً. رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
2- على هؤلاء أن يتذكروا أن الموت قد يهاجمهم في أي لحظة, فهل يسرهم أن تجري عليهم هذه الآثام وهم في قبورهم يعذبون بما يقترفهم غيرهم من منكرات.
والله أعلم.