الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل أن دية الخطأ وشبه العمد تكون على العاقلة. ففي سنن النسائي وغيره عن المغيرة بن شعبة: أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط فأسقطت فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: كيف ندي من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أسجع كسجع الأعراب فقضى بالغرة على عاقلة المرأة. قال الشيخ الألباني: صحيح.
وترجم النووي في شرحه لصحيح مسلم قال: باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطأ وشبه العمد على عاقلة الجاني.
وأما دية العمد فقد أجمع أهل العلم على أنها تجب في مال القاتل، ولا تتحملها العاقلة. قال ابن قدامة رحمه الله في المغني بعد حكاية هذا الإجماع: وهذا قضية الأصل، وهو أن بدل المتلف، يجب على المتلف، وأرش الجناية على الجاني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يجني جان إلا على نفسه. وقال لبعض أصحابه: حين رأى معه ولده: ابنك هذا؟ قال: نعم، قال: أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه. ولأن موجب الجناية أثر فعل الجاني، فيجب أن يختص بضررها، كما يختص بنفعها، فإنه لو كسب كان كسبه له دون غيره. وقد ثبت حكم ذلك في سائر الجنايات والأكساب، وإنما خولف هذا الأصل في القتل المعذور فيه، لكثرة الواجب، وعجز الجاني في الغالب عن تحمله، مع وجوب الكفارة عليه، وقيام عذره، تخفيفا عنه، ورفقا به، والعامد لا عذر له، فلا يستحق التخفيف، ولا يوجد فيه المعنى المقتضي للمواساة في الخطأ. انتهى.
هذا من حيث أصل وجوب الدية، ولكن القبيلة إذا تطوعت بمساعدة القاتل عمدا في الدية التي لزمته فلا حرج في ذلك، بل هو من المواساة والمعروف الذي يؤجر الإنسان عليه، إذا قصد به وجه الله، فقد قال الله تعالى: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ {البقرة:215}، وقال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ {الزلزلة:7}.
ولكن هذا التطوع ينبغي أن لا يكون في بند ملزم للقبيلة بذلك حتى لا يكون فيه تشجيع على قتل العمد، والحاصل أنه لا مانع من إنشاء الصندوق المذكور، إلا أن أخذ أي شيء من الدية من المجني عليهم لا يجوز أن يكون جبرا عليهم. لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه، كما في الحديث الشريف.
وفيما يخص زكاة أموال هذا الصندوق فلك أن تراجع فيها فتوانا رقم: 35382.
والله أعلم.