الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء بالهداية لأعدائه من الكفار ، ففي الصحيحين أنه دعا لدوس فقال : اللهم اهد دوسا . وفي سنن الترمذي أنه دعا لثقيف فقال : اللهم اهد ثقيفا . ودعا لأم أبي هريرة بالهداية كما في صحيح مسلم ، وفي صحيح مسلم أنه قيل له يا رسول الله ادع على المشركين، فقال : إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة ، وما تقدم كله كان في الغالب الأعم .
وقد شرع كذلك الدعاء على الكفرة والظلمة وذكر في حديث الصحيحين أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب ، وقد دعا على الكفار يوم أحد فقال : اللهم قاتل الكفرة . رواه البخاري في الأدب ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، وقد دعا على قريش فقال : اللهم اشدد وطأتك على مضر . رواه البخاري ، وقد دعا نوح وموسى عليهما الصلاة والسلام على الكفار فقال نوح : رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا {نوح: 26 } وقال موسى : رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ {يونس: 88 }
وقد ذكر أهل العلم أن سؤال الهداية للكفار والسعي في هدايتهم وحبها لهم أمر مشروع مرغب فيه لأن هداية الناس هي مهمة الأنبياء وأتباعهم ، وحملوا دعوة نوح عليه السلام على أنه دعا عليهم بعد اليأس من إيمانهم لما أوحي إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ، وذكروا كذلك مشروعية الدعاء على الكفار بما يضعفهم حتى يرضخوا للحق كما في حديث البخاري : اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف . وذكروا كذلك مشروعية الدعاء على مقاتلي الكفار وظلمتهم ، ولا مانع من الجمع بين ذلك فتقول اللهم اهد فلانا وارزقه إيمانا يحمله على الطاعة ويمنعه من المعصية ، وإن علمت أنه لا يهتدي فأهلكه وعذبه ، وراجع الفتاوى التالية أرقامها : 19230 ، 64779 ، 20322 .
والله أعلم .