الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فطاعة الأم من أوجب الواجبات التي أمر بها الله تعالى، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء: 23}. وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال : أمك، قال: ثم من ؟ قال : أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: أبوك . متفق عليه.
ولكن هذه الطاعة مقيدة بالمعروف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف . فإن كانت زوجتك مستقيمة الأحوال وذات دين، وإنما أمرتك أمك بطلاقها لهوى في نفسها أو لغرض شخصي، فلا يلزمك طلاقها. وبهذا قال كثير من أهل العلم، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل متزوج ووالدته تكره الزوجة وتشير عليه بطلاقها هل يجوز له طلاقها؟ فأجاب: لا يحل له أن يطلقها لقول أمه؛ بل عليه أن يبر أمه، وليس تطليق زوجته من بر أمه . انتهى.
ثم إن منازعة الأم في الشقق ومرافعتها عند القضاء إذا اقتضى الأمر ذلك لا تعد عقوقا. وقد دلت السنة على جواز ذلك. فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي يزيد معن بن يزيد السلمي قال: كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها، فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن. ففي هذا الحديث أن معناً خاصم أباه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحكم له رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيه، حيث أقر أن المال الذي أخذه له، وأن هذا ليس من العقوق. قال الحافظ في الفتح: وفيه جواز التحاكم بين الأب والابن، وأن ذلك بمجرده لا يكون عقوقا. أهـ .
وبناء على جميع ما ذكر، فلا نرى عليك حرجا في الإبقاء على زوجتك، ولا في منازعة أمك الشقق إن كان الحال على ما ذكرت. ولكن لا تنس ما لها من الحق في البر والاحترام ، واعلم أن من الزوجات من لا تكون عونا لزوجها على بر والديه فتحاول أن تجعل بينه وبينهما شحناء، وتظهر له أنها مظلومة وأنها ضحية، وواقع حالها أنها ليست كذلك، وقد تكون زوجتك من ذلك النوع فإذا كانت منه فلا شك أن فراقها أولى ، وعلى كل فاحذر من أن تجرك إلى عقوق أمك فتخسر دنياك وأخراك .
والله أعلم .