الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كل ما يجري في هذا الكون مهما صغر أو عظم هو بقضاء الله تعالى وقدره وسبق علمه به في سابق أزله ، كما قال الله تعالى : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر: 49 } وكما قال الله تعالى : مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {الحديد: 22 } وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة . ومع ذلك فقد جعل الله تبارك وتعالى للعبد اختيارا ومشيئة وإرادة بها يختار طريق الخير أو الشر، وبها يفعل ما يريد, وعلى أساسها يحاسب على أفعاله التي اختارها لنفسه لأنها أفعاله حقيقة ، ولذلك فالاختيار مع وجود العقل وعدم الإكراه هو مناط التكليف إذا فُقِد ارتفع التكليف.
ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه إذا سلب ما وهب أسقط ما أوجب.
وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتويين: 9193 ، 61976 ، فالمنتحر العاقل قد ارتكب جريمة من أبشع الجرائم وكبيرة من أعظم الكبائر وهو محاسب عليها؛ لأنها من فعله بمشيئته؛ وإن كان الله سبحانه وتعالى قد سبق علمه بذلك في سابق أزله وكتبه في كتابه .
والله أعلم .