الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن فعل يوسف عليه السلام ذلك وتصرفه مع إخوته كان لحكمة ومصلحة تعود إليه وإلى والده وإخوته وأهليهم، وقد ذكر أهل التفسير لذلك بعض الحكم، فقال بعضهم : إن ذلك كان بأمر الله تعالى ليزيد في بلاء يعقوب وصبره لطول مدة فقد يوسف وغياب ابنين من أبنائه بعد ذلك، ويقوي هذا القول ما جاء في تفسير القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أعطي يعقوب على يوسف أجر مائة شهيد لصبره، وقيل لم يظهر نفسه في البداية وفعل ما فعل مع إخوته خشية أن يدبروا في أمره تدبيرا، أو يكتموا أمره عن أبيه فاحتال بتلك التصرفات للفت الانتباه وترتيب أموره حتى إذا علم أبوه بخبره تكون الأمور قد مهدت لاستقدامه مع أهله .
وقال ابن عاشور في التحرير : وإنما لم يكاشفهم يوسف عليه السلام بحاله وبأمرهم بجلب أبيهم يومئذ إما لأنه خشي إن هو تركهم إلى اختيارهم أن يكيدوا له ولأخيه بنيامين، وإما لأنه قد كان بين القبط وبين الكنعانيين في تلك الفترة عداوات فخاف إن هو جلب عشيرته إلى مصر أن تتطرق إليه وإليهم ظنون السوء من ملك مصر فتريث إلى أن يجد فرصة لذلك، وكان الملك قد أحسن إليه فلم يكن من الوفاء له أن يفعل ما يكرهه أو يسيء ظنه.
ولذلك تريث حتى يرتب الأمور لاستقدام أهله جميعا، وقد قيل في التأني السلامة، وفي العجلة الندامة، وأيضا استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فكان من المناسب ألا يستعجل يوسف عليه السلام بكشف أمره لأنه يريد استقدام أهله جميعا إلى مصر بصورة مشرفة كما حصل فعلا .
والله أعلم .