الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أقسم الله عز وجل بخيل الجهاد وعدوها وهي تقدح بحوافرها النار من الحجر عند العدو ووقت النزال في المعركة وهي تضبح وتحمحم وتثير الغبار تنويها بشأنها وتعظيما لقدرها.
قال ابن العربي: أقسم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال يس وَالقُرْآَنِ الحَكِيمِ ، وأقسم بحياته فقال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ، وأقسم بخيله وصهيلها وغبارها وقدح حوافرها النار من الحجر وإن كان ورود الآيات في مثل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته فإنه عام في خيل المسلمين المجاهدين عامة لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر في الأصول.
ومعنى العاديات الخيل حين تعدو وتجري للغارة على العدو في سبيل الله والضبح هو صوتها وصهيلها "فَالمُورِيَاتِ قَدْحًا " هي التي توري النار من الحجر عند ما تقدحه بحوافرها فيتطاير منه الشرر، "فَالمُغِيرَاتِ صُبْحًا" هي التي تغير صباحا فتصبح العدو في ذلك الوقت، "فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا " أي أثر الغبار بحوافرها "فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا" أي دخلن وسط جمع العدو "إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ " هذا هو المقسم عليه والكنود الجحود أو هو الذي يذكر النقمة ولا يذكر النعمة "وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ" والإنسان يعلم ذلك ويشهد عليه بلسان حاله أو لسان مقاله "أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القُبُورِ" أي أخرج ما فيها من الأموات للحشر والحساب "وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ " أظهر ما فيها مما كانوا يسرون ويخفون في نفوسهم "إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ" أي عالم بما كانوا يصنعون ويعملون ومجازيهم على ذلك إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ولا يظلم ربك أحدا، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.
والله أعلم.