الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن مسألة إلزام الدولة كل متقدم للزواج بإجراء الفحص الطبي الوراثي مسألة اختلف أهل العلم المعاصرين فيها على قولين:
القول الأول: أنه يجوز لولي الأمر إلزام الناس بذلك وأن على المتقدمين للزواج التزام هذا الأمر، واستدلوا على قولهم بقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ{النساء: 59}، وقالوا إن المباح إذا أمر به ولي الأمر المسلم للمصلحة العامة صار ملزما يجب تطبيقه.
القول الثاني: أنه لا يجوز إجبار وإلزام الناس بإجراء هذه الفحوص لكن يجوز تشجيعهم وترغيبهم فيها.
وقالوا إن طاعة ولي الأمر في إيجاب المباح إنما تجب إذا تعينت فيه المصلحة أو غلبت عملا بالقاعدة الفقهية: تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، ونحن لا نسلم بأن هذا الفحص غلبت فيه المصالح، بل مفاسده تزيد على مصالحه، ثم إن جدواه محصورة في مرض أو مرضين أو حتى عشرة، ومعلوم أن الأمراض الوراثية اليوم أكثر من 8000 مرض، وما زال العدد في ازدياد كلما تقدم العلم، فإذا ألزم الناس بالفحص عنها جميعا فقد يتعذر الزواج وبالتالي ينتشر الفساد.
والذي نراه في هذا أن القول بالوجوب يتجه في حالات دون حالات، ففي حال انتشار مرض معين في منطقة أو فئة من الناس، وكان المتقدم للزواج من هذه المنطقة أو هذه الفئة وهو معرض غالبا لهذه الأمراض التي يتم فحصها في الفحص الطبي قبل الزواج فيجب على هؤلاء الناس التزام تعليمات ولي الأمر وإجراء الفحص المذكور، ويلحق بهذه الحالة أن توجد قرائن تدل على احتمال إصابة المتقدمين للزواج بهذه الأمراض.
أما في غير هاتين الحالتين وأمثالهما فلا وجه لإيجاب الفحص وتعميمه على كل الناس، وإنما يترك الأمر اختيارا، وفي هذه الحالة إذا ألزم الحاكم الناس بهذا الفحص وشق عليهم فعله والتخلص من ذلك الإلزام، فلا نرى مانعا من استصدار شهادة صحية بهذا المضمون بشرط أن يكون الطرف الآخر على علم بحقيقة الأمر وأن هذه الشهادة غير صحيحة في الواقع، وإلا كان ذلك غشا له وفي الحديث: الدين النصيحة. رواه مسلم
وراجع الفتوى رقم: 35822 ، والفتوى رقم: 48814.
والله أعلم.