الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه يجوز للأخ السائل أن يصلي بوضوئه وملابسه الصلاة الحاضرة والفائتة ما دام وقت الصلاة التي توضأ لها باقيا قال في المغني: قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ: إنَّمَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَتُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ النَّافِلَةَ وَالصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ، حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى، فَتَتَوَضَّأُ أَيْضًا وَهَذَا يَقْتَضِي إلْحَاقَهَا بِالتَّيَمُّمِ، فِي أَنَّهَا بَاقِيَةٌ بِبَقَاءِ الْوَقْتِ، يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَطَوَّعَ بِهَا، وَتَقْضِيَ بِهَا الْفَوَائِتَ، وَتَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، مَا لَمْ تُحْدِثْ حَدَثًا آخَرَ، أَوْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ. انتهى. هذا مذهب الحنابلة، ومثلهم في ذلك الأحناف، ويرى الشافعية أن صاحب السلس ومن في حكمه لا يصلي بوضوئه أكثر من فرض واحد سواء في ذلك الحاضرة والفائتة. قال النووي رحمه الله تعالى في المجموع: مَذْهَبُنَا أَنَّهَا لَا تُصَلِّي بِطَهَارَةٍ وَاحِدَةٍ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ مُؤَدَّاةً كَانَتْ أَوْ مَقْضِيَّةً،إلى أن قال., وَمِمَّنْ قَالَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ بِوُضُوئِهَا أَكْثَرُ مِنْ فَرِيضَةٍ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: طَهَارَتُهَا مُقَدَّرَةٌ بِالْوَقْتِ فَتُصَلِّي مَا شَاءَتْ مِنْ الْفَرَائِضِ الْفَائِتَةِ فِي الْوَقْتِ فَإِذَا خَرَجَ بَطُلَتْ طَهَارَتُهَا. وَقَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَدَاوُد: دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ لَيْسَ بِحَدَثٍ فَإِذَا تَطَهَّرَتْ صَلَّتْ مَا شَاءَتْ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ إلَى أَنْ تُحْدِثَ بِغَيْرِ الِاسْتِحَاضَةِ.انتهى. ومعلوم أن صاحب السلس في هذا الباب حكمه حكم المستحاضة.
وبالنسبة للسؤال الثاني: فيجب على الأخ السائل أن يتقي الله تعالى ويستغفره و يتوب إليه من الإصرار على هذا الفعل المحرم الذي هو هذه العادة السيئة، ويقلع عنه فلا يعود إليه أبدا، ويندم على ما مضى، فإن من تاب تاب الله عليه. ولينظر الفتوى رقم:7170، والفتوى رقم:1087 ، لبيان حرمة هذا الفعل وأضراره وما يعين على التخلص منه، ثم إنه ليس هناك وقت محدد ولا فترة معينة للفرق بين الغسل للجنابة وبين موجبها فإذا انقطع المني مثلا فله أن يغتسل بعد ذلك مباشرة، وله أن يؤخر إذا كان وقت الصلاة باقيا فإن لم يخرج شيء بعد الغسل فلا إشكال في الأمر، وإن خرج مني بعد الانتهاء من الغسل فقد اختلف الفقهاء -رحمهم الله- في إيجاب الغسل في هذه الحالة على أقوال ترجع في مجملها إلى قولين:
الأول: يجب عليه الغسل إن كان الزمان قريباً، وإن طال فلا يجب عليه.
وهو قول الشافعية ومن وافقهم، ودليلهم قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الماء من الماء" رواه مسلم. وقوله لمن سألته هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال: "نعم، إذا رأت الماء" متفق عليه. قال النووي -رحمه الله- في المجموع: (ولم يفرق صلى الله عليه وسلم، ولأنه نوع حدث فنقض مطلقاً كالبول والجماع وسائر الأحداث)
الثاني: لا يجب عليه الغسل ثانياً.
وهو قول الحنابلة ومن وافقهم، لما روى سعيد بن منصور عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن الجنب يخرج منه الشيء بعد الغسل؟ قال: يتوضأ. وكذا ذكره أحمد عن علي رضي الله عنه. ولأنه مني واحد فأوجب غسلاً واحداً، كما لو خرج دفقة واحدة، ولأنه خارج لغير شهوة أشبه الخارج لبرد.
وقال الإمام أحمد: لأن الشهوة ماضية، وإنما هو حدث، أرجو أن يجزئه الوضوء.
والذي نراه - والله أعلم - هو أن يحتاط العبد لدينه فيعيد الاغتسال إذا خرج منه المني بعد الغسل، إن كان الزمان قريباً، وذلك خروجاً من خلاف أهل العلم في المسألة، وهو خلاف قوي.
مع التنبيه على أن السائل اللزج الذي يخرج مع نهاية البول قد يكون وديا؛ لأن الغالب أنه يخرج بعد البول ولا يلزم منه الغسل.
والله أعلم.