الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالشارع الحكيم قد أمر بصلة الرحم وحث عليها ووعد عليها الجزاء الحسن، قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ {النساء: 1}. وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ {الرعد: 21}. وفي الصحيحين، واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فأخذت بحقو الرحمن، فقال لها: مه. قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك. قالت: بلى يا رب. قال: فذاك. قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم). وقال صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه. متفق عليه. وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة قاطع رحم. متفق عليه. وكفى بهذا زاجرا عن القطيعة.
وحقيقة صلة الرحم أن تصلها إذا قطعت، كما في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها.
فهذا عما طلبته من فضائل صلة الرحم وعقوبة قاطعها، وأما بالنسبة لك أنت، وما إذا كنت قاطعا لرحمك أم لا، فإن ذلك يرجع إلى إمكان الصلة لمن ذكرته من رحمك أو عدم إمكانه. فإن كنت تستطيع بالبحث والسؤال عنهم في الهاتف وغيره أن تصل إليهم مباشرة أو عبر التلفون، فمن واجبك أن تفعل ذلك وإلا كنت قاطعا.
وإن كنت لا تستطيع التوصل إلى خبرهم بأية وسيلة، فلست -إذا- قاطعا لهم؛ لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها.
وننبهك إلى أن صلة رحم بنات العم اللائي لا تربطك بهن محرمية يلزم فيها مراعاة غض البصر عنهن وخطابهن من وراء حجاب، والبعد عن الخلوة بهن.
والله أعلم.