الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنطق المنافقين بكلمة رسول الله وهم غير مؤمنين برسالته، ليس فيه ما يستغرب، لأنهم معلنون بتصديقهم له، ولكنهم يضمرون الكفر في باطن أمرهم. ويشهد لهذا ما ورد في أول السورة من قول الله تعالى: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ {المنافقون: 1}. فهم ينطقون بكلمة رسول الله تمويها على المسلمين لكيلا يبقوا منبوذين في مدينتهم التي دخل سائر أهلها في الإسلام.
وقد يوجد حل آخر لما استشكلته، وهو أن المنافقين لم ينطقوا بكلمة رسول الله، وإنما قالوا: لا تنفقوا على من عند محمد حتى ينفضوا، ولكن ناقل الخبر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو زيد بن أرقم قد عبر بكلمة رسول الله بدل الكلمة التي نطق بها المنافقون. ويشهد لهذا ما ورد في تفسير القرطبي حيث قال: وابن أبي قال: لا تنفقوا على من عند محمد حتى ينفضوا.
وفي جامع الترمذي: بعد إيراد أول القصة: فقال عبد الله [يعني ابن أبي] إذا انفضوا من عند محمد فأتوا محمدا بالطعام فليأكل هو ومن معه، ثم قال لأصحابه: لئن رجعتم إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
وورد مثل هذا في معجم الطبراني والمستدرك وغيرهما.
ولكن التفسير الأول نراه أرجح لتواطؤ الروايات بلفظ رسول الله.
والله أعلم.