الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما ذكر من قيام شخص ببذل جاهه وعلاقاته في سبيل إيصال حقٍ لآخر من جهة أو شخص مماطل أو جاحد يعتبر عملاً مشروعاً بل مستحباً، بل قد يجب إذا تعين على هذا الشخص صاحب الجاه، لعموم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. متفق عليه.
أما أخذ أجرة مقابل هذا العمل فهو داخل فيما يعرف بثمن الجاه وليس رشوة، وثمن الجاه اختلف فيه أهل العلم، وقد تقدم بيان ذلك في الفتوى رقم: 75549.
هذا وإذا جاز لك أخذ أجرة مقابل ذلك فيجب أن تكون هذه الأجرة معلومة لا مجهولة وتكون معلومة، إما بأن تكون مبلغاً مقطوعاً أو نسبة محددة من مبلغ معلوم محدد.
أما إن كانت نسبة مما سيخرج للطرف الأول ولا يدري كم سيخرج له فهذه أجرة مجهولة، وإذا جهلت الأجرة فليس لصاحب الجاه هنا إلا أجرة مثله، وننبه هنا إلى أن ذا الجاه هذا قد يكون الواجب عليه أن يسعى في استنقاذ حق الآخر، كأن يكون ذو الجاه صاحب ولاية ومن ضمن عمله الواجب فعل ذلك.
فدفع شيء له مقابل هذا العمل يعد سحتاً ورشوة، جاء في نهاية المحتاج في باب الجعالة: ... فلو قال من دلني على مالي فله كذا فدله من المال في يده لم يستحق شيئاً؛ لأن ذلك واجب عليه شرعاً فلا يأخذ عليه عوضاً. انتهى.
أما الحالة الثانية والتي مضمونها تنازل صاحب الحق عن بعض حقه للمدين لا جهة العمل بعد حلول الدين مقابل تسهيلات... يتفق عليها الوسيط وجهة العمل، فالجواب عنها أن المطلوب الوقوف مع المظلوم ضد الظالم والضعيف مسلوب الحق ضد سالبه، وصاحب الدين ضد جاحده أو مماطله حتى يأخذ حقه كاملاً، أويترك بعض حقه برضاه دون شائبة إكراه أو محاباة للقوي على حسابه، فهذا هو الصلح الذي أمر الله به بين المؤمنين وهذه هي الوساطة الجائزة.
أما إن كان صاحب الحق يتنازل عن حقه مكرهاً فهذا صلح جائر، وظلم بين لا يحل للطرف الثاني أخذ شيء من حق الضعيف ما لم تكن طيبة به نفسه، والغالب أن مثل هذه الحالة ما يدفع فيها عن رضى في الظاهر لا تطيب به النفس، وإنما رضى صاحبه بدفعه مقابل تخليص باقي حقه له ولو لم تكن هناك عرقلة أو لف وعدم وضوح ما تنازل عن شيء من حقه، وبالتالي فأخذ شيء من هذا القبيل لا يجوز ولو كان عن رضى من صاحبه في الظاهر.
والله أعلم.