الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الراجح من أقوال أهل العلم أن وقت ذبح الأضحية يبدأ بعد الانتهاء من صلاة العيد مباشرة، فيجوز الذبح قبل بدء الخطبة، ويجوز في أثنائها؛ لكن الأفضل انتظار الخطبتين، ويكفي الفراغ من واحدة من الصلوات إذا اتعددت في المكان، وإن كان المضحي ممن لا يطالب بصلاة العيد كأهل البوادي والخيام، فوقتها يبتدئ بعد مضي قدر صلاة العيد من ارتفاع الشمس قدر رمح.
روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فإنه قبل الصلاة ولا نسك له" وعن جندب قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر، ثم خطب، ثم ذبح، فقال "من ذبح قبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح بسم الله "متفق عليه.
ففي هذين الحديثين ربط صلى الله عليه وسلم الإجزاء بالوقوع بعد الصلاة، ولم يربطه بالوقوع قبل الخطبة، ومن رأى من العلماء أن لفظ الصلاة يشمل الخطبة لأنها كالجزء منها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام بعد الفراغ من الصلاة والخطبة فإن استدلاله غير قويم.
قال ابن حجر في الفتح ( واستدل به من اشترط تقدم الذبح من الإمام بعد صلاته وخطبته وذبحه، فكأنه قال: من ذبح قبل فعل هذه الأمور فليعد، أي فلا يعتد بما ذبحه) قال ابن دقيق العيد ( وهذا استدلال غير مستقيم لمخالفته التقييد بلفظ الصلاة والتعقيب بالفاء) انتهى.
والذي اخترناه هو أحد أقوال الحنابلة، وهو الذي رجحه ابن قدامة في المغني. قال: ( والصحيح -إن شاء الله تعالى- أن وقتها في الموضع الذي يصلى فيه بعد الصلاة لظاهر الخبر، والعمل بظاهره أولى. فأما غير أهل الأمصار والقرى فأول وقتها قدر الصلاة والخطبة بعد الصلاة لأنه لا صلاة في حقهم تعتبر، فوجب الاعتبار بقدرها).
لكن قوله: ( قدر الصلاة والخطبة) الراجح أنه للاستحباب بالنسبة لقدر الخطبة، وإنما الواجب هو سبق قدر الصلاة فقط، كما دل عليه الحديثان السابقان.
والله أعلم.