الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أنه كان على أولئك الأقارب أن يتفقوا على بناء مسجد واحد يتعاونون جميعا في تشييده، أو ينفرد أحدهم بتعميره برضاهم جميعا؛ لأن ذلك أقرب إلى توحيد الكلمة وعدم شق العصا بين الإخوة.
ثم اعلم أن بناء المساجد من أفضل القرب. فقد قال عليه الصلاة والسلام: من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله تعالى له بيتا في الجنة. رواه ابن ماجه وغيره.
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فإن من بنى بنيانا وعينه للوقفية على أنه مسجد فلا يجوز له الرجوع عن فعله ذلك. قال ابن قدامة في المغني: فصل: وظاهر مذهب أحمد أن الوقف يحصل بالفعل مع القرائن الدالة عليه، مثل أن يبني مسجدا، ويأذن للناس في الصلاة فيه، أو مقبرة، ويأذن في الدفن فيها، أو سقاية، ويأذن في دخولها، فإنه قال: في رواية أبي داود، وأبي طالب، في من أدخل بيتا في المسجد وأذن فيه، لم يرجع فيه، وكذلك إذا اتخذ المقابر وأذن للناس، والسقاية، فليس له الرجوع، وهذا قول أبي حنيفة، وذكر القاضي فيه رواية أخرى، أنه لا يصير وقفا إلا بالقول وهذا مذهب الشافعي. انتهى.
وقال الخرشي: والمعنى أن الوقف يصح ويتأبد بلفظ (حبست) على المشهور بالتخفيف والتشديد وما يقوم مقام الصيغة كالصيغة كما لو بنى مسجدا وخلى بينه وبين الناس ولم يخص قوما دون قوم، ولا فرضا دون نفل ويثبت، الوقف بالإشاعة بشروطها وبكتابة الوقف على الكتب إن كانت موقوفة على مدارس مشهورة وإلا فلا ويثبت أيضا بالكتابة على أبواب المدارس والربط والأشجار القديمة وعلى الحيوان.
وأما الشافعية فمذهبهم ينافي ما ذكر، وأن الوقف لا يصح إلا باللفظ. قال ابن حجر الهيتمي: (ولا يصح) الوقف من الناطق الذي لا يحسن الكتابة (إلا بلفظ) ولا يأتي فيه خلاف المعاطاة وفارق نحو البيع بأنها عهدت فيه جاهلية فأمكن تنزيل النص عليها ولا كذلك الوقف فلو بنى بناء على هيئة مسجد أو مقبرة وأذن في إقامة الصلوات أو الدفن فيه لم يخرج بذلك عن ملكه. اهـ
وبناء على ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، فالظاهر أن كتابة باني المسجد عليه من الخارج "مسجد الصديق" يفيد أنه يوقفه للصلاة، فليس من حقه بعد ذلك أن يصرفه إلى جهة أخرى، وخصوصا أنك ذكرت أنه يوجد زحام شديد لضيق المسجد الثاني.
وليعلم ذلك الشخص أن الشيطان عدو للإنسان؛ كما أخبر الله تعالى في كثير من الآيات. منها قوله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {فاطر:6}.
وإذا علم المسلم ذلك وجب عليه بذل وسعه في محاربة الشيطان بكل ما يستطيع، لا أن يطيعه فيما يفسد عليه دنياه وآخرته ويحرمه من الأجر الكثير.
والله أعلم.