الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما فعلته أختك من تخبيب خطيبك وصرفه عنك ليخطبها هي حرام شرعاً وقبيح طبعاً، وقد فصلنا القول في ذلك في الفتوى رقم: 49861.
ولكن ينبغي التثبت من الأمر فقد تكون أختك بريئة والخاطب ألبسها التهمة مثلاً، لئلا تحمليه مسؤولية إعراضه عنك واختياره لها، وخلاصة القول أن تخبيب الخاطب على خطيبته أو العكس محرم شرعاً لما ذكرناه وكذلك سوء الظن بالناس ورجمهم بالغيب واتهامهم بما لم يفعلوا، وعلى اعتبار أن أختك فعلت ذلك فعليها أن تتوب إلى الله تعالى، وينبغي أن تسامحيها وتنسي ذلك الأمر، فلعل الله تعالى أراد بك خيراً إذ صرفه عنك، قال الله تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.
وأما مقاطعتك لها فإن كانت هجراً بأن لا تسلمي عليها ولا تسلم عليك فذلك محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال. رواه أبو داود.
وحتى لو كانت هي تعرض عنك فلا ينبغي أن تعامليها بمثل ذلك بل أحسني إليها وكلميها وتبسمي في وجهها، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكإنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. وروى أحمد في مسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي ذوي أرحام أصل ويقطعوني، وأعفو ويظلمون، وأحسن ويسيؤون، أفأكافئهم؟ قال: لا، إذاً تتركون جميعاً، ولكن خذ بالفضل وصلهم، فإنه لن يزال معك ظهير من الله عز وجل ما كنت على ذلك. قال شعيب الأرنؤوط: حسن.
فليس الواصل على الحقيقة من يصل ذوي رحمه إذا وصلوه وأحسنوا إليه، بل الواصل من يصل من قطعوه، فقد روى البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
وننصحك أيتها السائلة الكريمة أن لا ترفضي من تقدم إليك من أصحاب الدين والخلق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. فقالوا: يا رسول الله وإن كان فيه، فقال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. قالها ثلاث مرات. أخرجه الترمذي، وانظري الفتوى رقم: 998.
وأما خطيبك الأول الذي خطب أختك أيضاً ورفضه أهلك فالأولى تركه والإعراض عنه لممانعة الأهل ولكونه غير منضبط لتصرفه السابق، ولأنك لو تزوجت منه ربما أدى ذلك إلى خلاف وشقاق بينك وبين أختك، فننصحك بالإعراض عنه ونسأل الله تعالى أن يرزقك من أصحاب الدين والخلق من تقر به عينك وتسعد به نفسك إنه سميع مجيب.
والله أعلم.