الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الذي يظهر من كلام الفقهاء أن التنحنح لحاجة لا يبطل الصلاة وكذلك إن كان غلبة، فإن كان اختياراً لغير حاجة ففيه تفصيل ذكره النووي رحمه الله تعالى حيث قال في المجموع: وأما التنحنح فحاصل المنقول فيه ثلاثة أوجه: الصحيح الذي قطع به المصنف والأكثرون: إن بان منه حرفان بطلت صلاته، وإلا فلا. (والثاني): لا تبطل - وإن بان منه حرفان، قال الرافعي: وحكي هذا عن نص الشافعي. (والثالث): إن كان فمه مطبقاً لم تبطل مطلقاً وإلا فإن بان حرفان بطلت وإلا فلا. وبهذا قطع المتولي وحيث أبطلنا بالتنحنح فهو إن كان مختاراً بلا حاجة، فإن كان مغلوباً لم تبطل قطعاً، ولو تعذرت قراءة الفاتحة إلا بالتنحنح فيتنحنح ولا يضره، لأنه معذور، وإن أمكنته القراءة وتعذر الجهر إلا بالتنحنح فليس بعذر على أصح الوجهين، لأنه ليس بواجب. انتهى.
وعند الحنابلة تبطل الصلاة بالتنحنح إن بان منه حرفان فأكثر وقد جنح ابن قدامة إلى أنه لا يبطل الصلاة لأنه لا يسمى كلاماً، ولأن الحاجة تدعو إليه، فقال في المغني: فأما النحنحة، فقال أصحابنا: إن بان منها حرفان بطلت الصلاة بها كالنفخ، ونقل المروذي قال: كنت آتي أبا عبد الله فيتنحنح في صلاته، لأعلم أنه يصلي. وقال مهنا: رأيت أبا عبد الله يتنحنح في الصلاة، قال أصحابنا: هذا محمول على أنه لم ينتظم حرفين.
وظاهر حال أحمد أنه لم يعتبر ذلك، لأن النحنحة لا تسمى كلاماً، وتدعو الحاجة إليها في الصلاة وقد روي عن علي رضي الله عنه قال: كانت لي ساعة في السحر أدخل فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان في صلاة تنحنح، فكان ذلك إذني وإن لم يكن في صلاة أذن لي. رواه الخلال بإسناده، واختلفت الرواية عن أحمد في كراهة تنبيه المصلي بالنحنحة في صلاته، فقال في موضع: لا تنحنح في الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال، ولتصفق النساء. وروى عنه المروذي أنه كان يتنحنح ليعلمه أنه في صلاة وحديث علي يدل عليه، وهو خاص فيقدم على العام. انتهى.
وفي المذهب المالكي لا تبطل الصلاة بالتنحنح إن دعت إليه الحاجة ولو كانت حاجة لا تتعلق بالصلاة فإن تنحنح عبثاً بطلت، ففي الفواكه الدواني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني ما نصه: فروع تشتد حاجة الطالب لمعرفتها، منها: التنحنح في الصلاة لضرورة لا يبطل عمده ولا سجود يسجد، ولغير ضرورة قولان المختار منهما عند اللخمي أنه لا يبطل الصلاة، واقتصر عليه خليل حيث قال: والمختار عدم الإبطال به لغيرها، ولكن قيده السنهوري بما إذا فعله لغير ضرورة متعلقة بالصلاة، وليس معناه أنه فعله عبثاً، وإنما معنى قول خليل تبعاً للخمي لغيرها أو لغير حاجة متعلقة بالصلاة، فلا ينافي أنه فعله لحاجة غير متعلقة بها كإعلام أنه في الصلاة، وأما لو تنحنح عبثاً عامداً في صلاته لبطلت ولا وجه لعدم البطلان، وقال الحطاب: ظاهر كلام خليل ولو فعله عبثاً حيث قل، ويظهر لي أن كلام السنهوري أوجه. قال الأجهوري: وينبغي أن الجشاء والتنخم كالتنحنح في أحكامه. انتهى.
ولبيان حكم الضحك في الصلاة راجع الفتوى رقم: 72694، والفتوى رقم: 55754، لبيان حكم البكاء في الصلاة، والفتوى رقم: 76980، لبيان حكم الكلام في الصلاة أيضاً.
والله أعلم.