الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالغيرة من علامات الإيمان، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرَّم عليه.
وفي حديث آخر: إن من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير الريبة. رواه أحمد والنسائي وأبو داود من حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه، وهو حديث حسن.
فما أنت فيه من الغيرة على الدين أمر طيب، ولكن ينبغي أن لا يغيب عنك أن كل أمر خرج عن حد الوسط والاعتدال صار مذموما. والشرع والعقل داعيان إلى التوسط والاعتدال، ففي الحديث: إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا... رواه البخاري.
والتوسط والاعتدال هو الذي يتفق مع الفطرة الإنسانية، وقال بعض الحكماء: إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع. وهذا لا يعني أننا نأمرك بالرضا بالمنكر، وترك تغييره ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وإنما يعني أن من الحكمة أن تقتصد في إنكارك لئلا يسأمك الناس ويملوا نصيحتك.
وليس من الحكمة قولك: إنك لا ترتضى بالحلول الوسط، وأن الشيء إما أن يكون كاملا وإلا فلا. فلا شك في أن بعض الشر أهون من بعض، وأن ما لا يدرك كله لا يترك كله.
ونسأل الله أن يعينك على ما تقوم به من الخير، ونذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلا خيرا لك من أن يكون لك حمر النعم. رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.