الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه المسألة هي التي تعرف عند أهل العلم بمسألة التقليد بعد العمل، حيث إنك عملت أولاً بمذهب الإمام أبي حنيفة في عدم اشتراط الولي، وبعد أن طلقك هذا الرجل ثلاثاً وأصبحت بائنة بينونة كبرى لا تحلين له حتى تنكحي زوجاً غيره، فهو محرم عليك على مذهب أبي حنيفة، أردت الانتقال إلى مذهب الجمهور الذين يقولون ببطلان نكاحك الأول، ومن ثم عدم وقوع الطلاق، لأنه لم يكن في أثناء نكاح صحيح، وقد ذكر أهل العلم بأن انتقال المقلد من تقليد إمام إلى تقليد إمام آخر بعد عمله بقول الأول إذا كان في نفس المسألة التي ما زال لها أثر ممتنع، بل حكى بعض الأصوليين الإجماع على الامتناع، وفي مسألتك الأثر للتقليد الأول باقٍ، فإن الإمام أبا حنيفة يمنع هذا النكاح الجديد الذي تريدين القيام به، لأنه نكاح على مطلقة بائن بينونة كبرى قبل أن تنكح زوجاً آخر، وعليه فالذي يظهر لنا أنه لا يجوز لهذا الرجل أن ينكحك إلا بعد أن تنكحي زوجاً غيره.
قال الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله في التحفة: وقد اتفقوا على أنه لا يجوز لعامي تعاطي فعل إلا إن قلد القائل بحله، وحينئذ فمن نكح مختلفاً فيه فإن قلد القائل بصحته، أو حكم بها من يراها ثم طلق ثلاثاً تعين التحليل وليس له تقليد من يرى بطلانه، لأنه تلفيق للتقليد في مسألة واحدة، وهو ممتنع قطعاً، وإن انتفى التقليد والحكم لم يحتج لمحلل نعم يتعين أنه لو ادعى بعد الثلاث عدم التقليد لم يقبل منه أخذا مما مر قبيل الفصل، لأنه يريد بذلك رفع التحليل الذي لزمه باعتبار ظاهر فعله، وأيضاً ففعل المكلف يصان عن الإلغاء لا سيما إن وقع منه ما يصرح بالاعتداد كالتطليق ثلاثاً هنا. انتهى.
والله أعلم.