الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان قولك: قد عقدت قراني، تعنين به أن الشاب المذكور قد تزوجك بالفعل، بأن تم عقد النكاح بينكما، فإن ما يريده والدك من فسخ العقد لا يجوز؛ لأنك قد أصبحت زوجة له وفي عصمته بالعقد، وهو مالك لعصمتك، وما ذكر من أن والده مصاب بمرض نفسي ليس عيبا فيه هو خصوصا أنك ذكرت احتمال انتقاله إلى زوجك أو أولاده احتمال بعيد جدا.. وبالتالي:
فلا يجوز -إذاً- أن تفسخي هذا العقد، ولا أن تطلبي الطلاق من زوجك؛ لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة. رواه أصحاب السنن وقال الترمذي: حديث حسن.
ولا تجوز طاعة الأب في هذا؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. فاصرفيه عن هذا الغرض بالتي هي أحسن، ولا تنسي أن حقه في البر والطاعة ما زال موجودا.
وإن كان قولك: قد عقدت قراني، تعنين به أن الشاب المذكور خاطب لك، ولم يتم العقد الشرعي بينكما، فأنت -إذاً- لم تصيري بعدُ زوجة لذلك الشاب، لأن الخطبة ليست عقدا ملزما، ولكل من الطرفين التراجع عنها متى شاء، لكن ينبغي الوفاء بها ديانة إذا لم يكن هناك سبب شرعي يدعو إلى الترك.
وحينئذ، فإذا كنت تجدين في هذا الشاب الزوج الصالح، فالصواب أن توسطي لحل المشكلة أهل الصلاح ممن له تأثير على أبيك، وإذا لم يقبل فإن طاعة أبيك مقدمة على رغبتك في الزواج من هذا الشخص ما لم يتم العقد الشرعي، لأن طاعة الوالدين في المعروف واجبة، والزواج من هذا الشخص بعينه غير واجب، والواجب مقدم على غير الواجب.
ولا يمكن وصف أبيك في هذه الحال بأنه معضل لما ذكرته من أن سبب رفضه هو علمه بالمرض الذي كان مصابا به والد الشاب.
والله أعلم.