الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرحم الله أمك ويغفر لها، واعلم أن حقها عليك باق حتى بعد موتها وذلك بالدعاء لها، ففي الحديث: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: وذكر منها :ولد صالح يدعو له، فلا تبخل عليها بالدعاء
وأما والدك فوجوده معك وبقاؤه بعدها نعمة تستوجب الشكر، وفرصة تغتنم، كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي، وقال: حديث صحيح.
وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي وهو حديث صحيح.
وقد أمر الله بالإحسان إليه لا سيما وقت الكبر بقوله: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23-24}، وقد قمت بذلك في حق أمك كما ذكرت فلا تضيع عملك وأكمل ما بدأت به في حق أبيك، وينبغي لك التماس العذر له في الزواج، بل وإعانته عليه، فالعزوبة مرة، وتورث الكآبة وليست في الإسلام في شيء، كما ورد ذلك عن السلف، والشيخ الكبير أكثر حاجة إلى امرأة ترعاه وتقوم على خدمته، فهو ضائع بدون زوجة تخدمه، ويدل لذلك إذن النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة هلال بن أمية رضي الله عنه أحد الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك في خدمته، رغم نهيه عن تكليمهم، ففي الصحيحين: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: لا... الحديث.
والشاهد أنها وصفته بالضائع، وأذن النبي صلى الله عليه وسلم لها بخدمته لما يعلم من شدة حاجته لذلك، فكن مع والدك في الحق وانصحه بالحكمة واللين إن كان منه ما لا ينبغي من إسراف وتبذير أو غيره، وصله بنفسك وبالهاتف ولا تكل رعايته إلى زوجته وأحسن إليها، لأن ذلك من الإحسان إليه هو، وإياك والجفاء والقطيعة والعقوق، ونعيذك أن يفسد عليك الشيطان عملك وبرك بوالديك، فجاهد نفسك ولا يمت أبوك إلا وهو راض عنك كمال الرضى لتسعد في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.