الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالرشوة من كبائر الذنوب، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : لعن الراشي والمرتشي . رواه الترمذي وقال حسن صحيح ، وفي رواية : والرائش . وهو الساعي بينهما ، فيحرم طلب الرشوة وقبولها وبذلها كما يحرم عمل الوسيط بين الراشي والمرتشي، ولكن محل ذلك هو الرشوة التي يتوصل بها المرء إلى إحقاق باطل أو إبطال حق أو أخذ ما ليس له. أما الرشوة التي يتوصل بها إلى حقه أو لدفع ظلم أو ضرر فإنها جائزة والإثم على المرتشي دون الراشي. وإذا تقرر هذا فالأصل في المشاريع التي تعرض في صورة مناقصة أو نحو ذلك أن تكون من نصيب الأفضل جودة وسعرا، فإذا كانت شركتكم أفضل جودة وسعرا ممن يتنافسون معها ولم يمكنكم الوصول إلى حقكم في الحصول على العطاء في هذه المناقصة إلا ببذل مال للموظفين المسؤولين جاز لكم ذلك والإثم عليهم لا عليكم، لكن يشترط لذلك أن لا تزيدوا على التكاليف المتعارف عليها لمثل هذا المشروع لما في ذلك من الإضرار بصاحب المشروع الأصلي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا ضرر ولا ضرار . رواه ابن ماجه ، وراجع الفتوى رقم : 51401 ، أما إذا كان هناك من ينافسكم وهو أولى بالعمل منكم أو مساو لكم فلا يجوز لكم أخذ هذه المقاولة بهذه الصورة لأنه يعد اعتداء على حق الغير، وراجع الفتوى رقم : 6257 .
أما حكم الراتب الذي تحصلون عليه فينبني على العمل الذي تقومون به.. فإذا كان عملا مباحا لا يتضمن الإعانة على محرم من رشوة ونحوها فلا بأس به، وإلا فقد دخل فيه من الحرام بقدر ممارستكم للحرام أو إعانتكم عليه، ومثل ذلك يقال في العمولة؛ إلا أن العمولة تزيد عن ذلك بضرورة أن تكون معلومة لصاحب الشركة وموافقا عليها حتى لا تكون رشوة لكم .
وأما طبيعة عمل الشركة فينبني على التفصيل المتقدم وعلى قدر التزام الشركة بالمواصفات المشترطة فإن التزمت بها فعملها حلال، وإن أخلت بشيء من ذلك دخل عملها من الحرام بحسب ذلك.
وأما التعامل مع من يطلب رشوة فإذا أمكن الوصول إلى الحق دون بذلها فيحرم بذلها له؛ وإلا فلا بأس ببذلها له والإثم عليه لا على المعطي ، وإذا طلب منك توصيل الشيك أو المبلغ أو طباعة الطلب أو التعامل به مع من يطلب رشوة فالحكم في ذلك تابع لحكم الرشوة، فإذا جاز بذلها فلا حرج عليك وإلا حرم؛ لعموم قوله تعالى : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب {المائدة: 2} .
والله أعلم .