الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن سوء أخلاق الوالد وتقصيره في الحقوق الواجبة عليه سواء كانت لله تعالى أو كانت للمخلوقين لا تسقط من حقه على أبنائه شيئا، فالوالد مهما كانت حالته يجب بره والإحسان إليه ويحرم عقوقه ولو كان كافرا قال الله تعالى : وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الأسراء: 23 ـ 24 } وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، والمرأة المترجلة المتشبة بالرجال ، والديوث. وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه ، والمدمن الخمر ، والمنان بما أعطى . رواه النسائي وأحمد والحاكم .
ثم إن بر الوالدين من شيم النفوس الكريمة ومن الخلال الجميلة، وبه تكفر السيئات وتجاب الدعوات عند رب البريات، وبه تشرح الصدور وتطيب الحياة، ويبقى الذكر الحسن بعد الممات .
وأما حكم فعل الأب وسبه لزوجته وأبنائه وأذيته لهم بلسانه وفعله فلا يجوز له ذلك، ولزوجته أن تطلب مفارقته بالطلاق أو الخلع إن شاءت، فقد ذكر الفقهاء أن الضرر البين كالشتم والضرب والتحقير يطلق به، قال خليل في مختصره : ولها التطليق بالضرر البين . اهـ وقال صاحب نظم الكفاف موضحا أنواع الضرر التي يمكن لمن تأذت بها أن تطلب الطلاق :
للمرأة التطليق إن آذاها * بشتمها وشتم والداها
تحويل وجهه وقطع النطق * وأخذ مالها بغير حق .
وإن شاءت أن تصبر على أذاه فهو خير وأكثر أجرا وأولى لبقاء شمل الأسرة واجتماع كلمتها، وسيجعل الله لها من عسرها يسرا، ومن ضيقها فرجا. وتراجع الفتوى رقم : 33363 ، وما أحيل إليه من فتاوى خلالها.
وأما طلبه المعاش من أبنائه فإن كان فقيرا فيجب عليهم أن ينفقوا عليه، وإن كان غنيا فيستحب إحسانا إليه وبرا به ما لم يكونوا بحاجة إليه، وللوالد أن يأخذ من مال ولده ما لم يكن مجحفا بالولد .
وخلاصة القول أنه لا يجوز للأب سب زوجته ولا أبنائه، لكن ذلك لا يسقط حقه في البر والإحسان إليه ، إلا أن منعه من الظلم ونصحه ليكف عن هذا الخلق السيء من البر به ، مع التزام الأدب ولين الكلام عند مخاطبته وعدم مجادلته ورفع الصوت عليه، فإذا لم يستطيعوا نصحه ووعظه فينبغي تسليط بعض طلبة العلم والدعاة عليه ليتولوا نصحه وتذكيره ، ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم .