الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن حقيقة الزهد كما بينها أهل العلم هي : خلو القلب من التعلق بما لا ينفع العبد في الآخرة ، وقال بعضهم الزهد : إخراج الدنيا من القلب وجعلها في اليد استعدادا لبذلها وإنفاقها فيما يرضي الله تعالى ، وكان بعض السلف الصالح من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم يملكون الأموال الطائلة؛ ولكنهم كانوا أزهد الناس في الدنيا وأكثر إنفاقا لها في السر والعلانية فهذا هو الزهد الحقيقي. ولذلك فلا مانع شرعا أن يسعى المسلم لكسب المال بالوجوه الشرعية لأن ذلك لا ينافي الزهد .
وأما القناعة المحمودة شرعا فإنها لا تعني الكسل وضعف الهمة وعدم الطموح وعدم التطلع إلى الأفضل في أي مجال من مجالات الحياة، ولكنها الرضى بما قسم الله للعبد ولجم النفس عن الطمع فيما عند الناس ، لذلك ينبغي للمسلم أن يكون عالي الهمة يسعى لاكتساب الأفضل دائما وبكل وسيلة مشروعة لنفسه ولمجتمعة ولأمته، كما كان عظماء هذه الأمة ، فقد قال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله : إن لي نفسا تواقة، كلما نالت مرتبة تاقت إلى أعلى منها، حتى نالت الخلافة، وإنني الآن أتوق إلى الجنة وأرجو أن أنالها . كما في البداية والنهاية وحلية الأولياء .
وأما ملاحظتك على صديقك أنه لم يطلب الآخرة فهي واردة وفي مجالها، فقد علمنا الله عز وجل في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله من خيري الدنيا والآخرة، ومن أدعية النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في القرآن الكريم : رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {البقرة: 201 } .
وأما قولك : اللهم إني لا أسألك رد القضاء . فإنه لا ينبغي لما فيه من عدم الرغبة والإلحاح في الدعاء الجزم فيه وهي أمور مطلوبة في الدعاء، فإذا دعوت الله تعالى فليكن دعاؤك برغبة، وهذا الدعاء غير مشروع لما ذكرنا. وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتاوى : 1044 ، 50125 ، 5146 ، 34019 ، 60227 .
والله أعلم .