الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يتقبل منك الحج، وأن يجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا.
وأما بخصوص ما سألت عنه من لبس الخف في الرجل المبتورة فلا شيء عليك لعدم وجود القدم أصلا. وأما لبسك إياه في الرجل الأخرى لعدم قدرتك على لبس النعل بسبب الجرح الذي فيها، فلا حرج عليك فيه؛ لأن الشارع قد رخص في لبس الخفين عند عدم وجود النعلين، وعدم القدرة على لبسهما مثل عدم وجودهما، قال ابن قدامة في المغني: وإنْ وَجَدَ نَعْلًا لم يُمْكِنْه لُبْسُها، فله لُبْسُ الخُفِّ، ولا فِدْيَةَ عليه؛ لأن ما لا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُه كَالمَعْدُومِ، كما لو كانتِ النَّعْلُ لغيرِه، أو صَغِيرَةً، وكالماءِ في التَّيَمُّمِ، والرَّقَبَةِ التي لا يُمْكِنُه عِتْقُها، ولأنَّ العَجْزَ عن لُبْسِها قَام مَقامَ العَدَمِ، في إبَاحَةِ لُبْسِ الخُفِّ، فكذلك في إسْقَاطِ الفِدْيَةِ. انتهى.
وعليك أن تقطعه حتى يكون أسفل من الكعبين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عما يلبس المحرم قال: «لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، وَلَا الْعِمَامَةَ، وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ، وَلَا الْخُفَّيْنِ إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا، حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ» أخرجه البخاري ومسلم.
فإن لبسته من غير أن تقطعه فعليه الفدية عند جمهور أهل العلم، قال ابن قدامة في المغني: فإنْ لَبِسَهما من غيرِ قَطْعٍ، افْتَدَى. وهذا قولُ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، ومالِكٍ، والثَّوْرِي، والشَّافِعِي، وإسحاقَ، وابنِ المُنْذِرِ، وأصْحابِ الرَّأْيِ؛ لما رَوَى ابنُ عمرَ، عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَس الخُفَّيْنِ، ولْيَقْطَعْهُمَا، حَتَّى يَكُونَا أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ". مُتَّفَقٌ عليه ... انتهى.
والله أعلم.