الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأنت ذكرت من أمثلة عمل الجهة التي تعمل عندها : أرسل حرف ب واحصل على معلومات كذا ( عن الأبراج ...)
أرسل كذا وتمتع بآخر الأغاني الشوق ....
ثم تسأل عن حكم الشرع إذا كانت هذه الخدمة تافهة ولا تقدم شيئا للزبون كالنكت والأبراج أو تعرف على شخصيتك من خلال كذا وكذا ...
وللجواب نقول لك : إن هذا القدر فقط يكفي للحكم على هذا العمل بأنه غير مباح وذلك للأمور التالية :
1ـ أن علم الأبراج هو من العلم المحرم وقد ذكرت أنت ذلك فهو محرم لأنه محاولة للتطلع على الغيب وقد قال الله تعالى : قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ {النمل: 65 } وروى أبو داود وغيره بإسناد صحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد .
2 ـ قولكم أرسل كذا وتمتع بآخر الأغاني الشوق ... فيه ترويج للمنكر ودعوة إليه ولا يخفى ما في ذلك من الإثم والتعاون عليه .
3 ـ أنه إذا كانت الخدمة تافهة ولا تقدم شيئا للزبون كالنكت والأبراج أو تعرف على شخصيتك من خلال كذا وكذا .. فإن التعاقد عليها لا يصح شرعا لأن من شروط صحة العقد أن يكون المعقود عليه منتفعا به انتفاعا شرعيا . فالواجب إذا هو الابتعاد عن هذا العمل وخصوصا أنك ذكرت أنك غير مضطر إليه وأنه إضافي بالنسبة لك .
ثم ما ذكرته أن الذين تعمل عندهم سيحددون لك نسبة من العائد الذي ستعيده الشركة وأنه ليس راتبا محددا، ولكنك تستطيع أن تغير العقد إلى راتب ثابت فنقول لك في ذلك : إن جعل الراتب نسبة من عائد الشركة هو محل خلاف بين أهل العلم، وجمهور العلماء على عدم صحته، ولكن الكلام في هذا يغني عنه ما بيناه لك في تحريم طبيعة عمل الشركة ، ثم ذكرت أن عملك الأساسي هو في نفس المجال ويحتوي الكثير من التفاهات والأمور التي لا يرضى عنها الشرع فالجواب عن هذا هو نفس الجواب عن عملك الإضافي ، وكونك غير مرتاح لا للعمل الإضافي ولا للعمل الأساسي وأنك لست مسرورا بشيءمن ذلك على الإطلاق فيه دليل آخر على حرمة هذه الأعمال فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : استفت قلبك : البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك . رواه أحمد والدارمي والطبراني وحسنه النووي .
فننصحك إذن بتجنب هذه الأعمال كلها، والبحث عن عمل مباح يرتاح له ضميرك وتصلح به دنياك وآخرتك ، وإذا كنت مضطرا إلى بعض هذه الأعمال ولم تجد وسيلة تستغني بها عنها فإنه يباح لك ما ألجأتك إليه الضرورة منها فقد قال تعالى : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119 } وقال تعالى : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ {البقرة: 173 } ولكن ينبغي أن تعلم أن حد الضرورة المبيحة للحرام هو ما يغلب على الظن وقوع المرء بسببه في الهلكة أو أن تلحقه بسببه مشقة لا تحتمل أو لا يتمكن من تحقيق الحد الأدنى من حياة الفقراء ، والضرورة في حال ثبوتها تقدر بقدرها وحيث زالت أو وجد ما يقوم مقامها عاد الأمر إلى ما كان عليه من التحريم ، والمرء في هذه الحالة هو فقيه نفسه لأنه أدرى بحاله وظروفه .
والله أعلم .