الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن الآباء مجبولون بطبعهم على حب ما ينفع أولادهم والسعي فيه ، وهم أسن منهم وأطول تجربة في أمور الحياة. والغالب أن آراءهم واختياراتهم تكون أفضل للأبناء من اختيارهم لأنفسهم. وإن كره الأبناء ذلك فكراهتهم له لا تدل على أنه صواب، فإن الله تعالى يقول: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ {البقرة:216}.
فمنع أبيك لك من الخروج ومزاولة الأعمال في المؤسسات الدراسية التي لا تخلو في الغالب من الاختلاط، حفاظا عليك من الفساد هو الصواب، بل قد يكون واجبا عليه إذا رأى ما يمكن أن يجر الفتنة فهو راع وسيسأل عن رعيته ، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ {التحريم:6}. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته.
فتبين من هذا أن أباك محق فيما فعله، إلا أنك إذا كنت محتاجة لتلك الوظيفة، ولم تجدي من يقوم بأمرك لم يكن من حقه أن يمنعك منها.
وحينئذ يباح لك ممارستها بشرط أن لا تكون فيها مخالفة شرعية من اختلاط أو تبرج أو غير ذلك.
وأما تفسير الآية الكريمة: فـ (قرن) فعل أمر من قر المشتقة من القرار، وأصلها اقررن. يقول ابن مالك في ألفيته:
وقرن في اقررن وقـــرن نقــلا
ومعناها: الزمن ولا تبرحن.
قال ابن كثير: وقرن في بيوتكن، أي الزمن فلا تخرجن لغير حاجة. وقال ابن العربي في أحكام القرآن: يعني اسكن فيها ولا تتحركن ولا تبرحن منها. وجاء في الدر المنثور: وقرن في بيوتكن: يقول لا تخرجن من بيوتكن.
والله أعلم.