الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن سب الخالق أو الرسل أو استهزأ بشعائر الدين فإنه يكفر إذا كان صحيح العقل. قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ.{التوبة:65 -66}
وإذا كان أبوك بجميع عقله فإنه قد كفر باستهزائه بالدين وسبه للخالق، يضاف إلى ذلك تركه للصلاة والعياذ بالله. وبناء عليه فإنه يفرق بينه وبين زوجته، ولا سبيل له عليها ما لم يعد إلى الإسلام، فإذا عاد وهي لا تزال في عدتها منها فله مراجعتها، وإلا فلا بد من عقد جديد، وانظري الفتاوى رقم: 31297، 25611، 1145، ولكن ما وصفت من حاله وذكرت من أفعاله لا يصدر عن الأسوياء، فلعل الرجل قد فقد عقله، فيكون غير مكلف لفقده آلة التكليف وهي العقل حتى يرجع إليه عقله. لما ثبت في المسند والسنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل.
وأما ما يستدينه من الأموال فلا يجب عليكم سداده من أموالكم، سواء أكان سويا عاقلا أم ليس كذلك، وسواء كانت ثابتة أو غير ثابتة. قال في مواهب الجليل مبينا أن دين الأب لا يجب سداده على ابنه فإذا كان على الابن ما يجب كالحج أو غيره فهو مقدم على سداد دين الأب قال: ودين أبيه ليس عليه حالا ولا مؤجلا، ففعل ما يجب عليه أولى من فعل ما لا يجب عليه. انتهى. ولكن ينبغي ذلك أي سداد ديونه عنه إن كان ذلك لا يشق عليكم لأنه من البر به، إلا إذا كان يستعمل ما استدانه في اللهو والباطل والسرف فلا ينبغي سدادها عنه، لأن ذلك يعينه على الحرام، ويشجعه على اقتحامه، وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ {المائدة:2} ثم إنه على فرض اختلال عقله لا يصح بيعه ولا شراؤه، ومن فعل ذلك معه وهو يعلم مرضه فقد فرط في ماله بنفسه.
وخلاصة القول والذي ننصحكم به هو إحسان صحبته ما دام حيا، والاجتهاد في بره ومحاولة إصلاحه وثنيه عما يفعله من الأعمال المشينة والمزرية.
وأما ابنه(أخوك) فلا يجوز له أن يضربه أو يشتمه بحال من الأحوال، ولكن له منعه من الأعمال المشينة كالتبرز في الشارع أمام الناس ونحوه، والحيلولة دون ذلك والستر عليه، ولمنعه له من ظلم نفسه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما. قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: تأخذ فوق يديه. قال ابن حجر في الفتح: كنى به عن كفه عن الظلم بالفعل إن لم يكف بالقول، وعبر بالفوقية إشارة إلى الأخذ بالاستعلاء والقوة.. وقال البيهقي: معناه أن الظالم مظلوم في نفسه، فيدخل فيه ردع المرء عن ظلمه لنفسه حساً ومعنى. انتهى منه باختصار.
والأب أولى بذلك الحق فيمنع من ظلم نفسه وظلم غيره، لكن بمزيد شفقة، فلا يلجأ معه إلى أسلوب الشدة أو التعنيف. وعليه أن يصبر على أذيته ويحتسب أجر ذلك ومثوبته عند الله، وكذا زوجته فهي مأجورة بإذن الله تعالى على صبرها على أذاه، واحتمالها منه ما تلقاه.
وللفائدة نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 68665، 9654، 25933.
والله أعلم.