الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الحكم على راتبك من هذا العمل مبني على طبيعة الآثار التي تهتم بها هذه المؤسسة وتتكسب منها، فما كان من هذه الآثار مما أمرنا بإزالته كالأصنام والقبور المرفوعة ونحو ذلك فلا يجوز العمل في مجاله ولو بعمل في الأرشيف المتعلق به لما في ذلك من المعاونة على الحرام، والأجر الذي حصلت عليه مقابل ذلك حرام يجب التخلص مما بقي في يدك منه، وذلك بإنفاقه في مصالح المسلمين كإعانة الفقراء والمساكين، والأصل في ذلك عموم قوله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2)
وإذا كنت أنت محتاجا إليه أو إلى شيء منه حاجة معتبرة شرعا لنفقتك ونفقة من تعول فإن لك أن تأخذ منه بقدر ما يغلب على ظنك أنه سيغطي هذه الحاجة إلى مظنة حصولك على البديل المشروع.
ويجب أن تترك العمل إلا إذا كنت مضطرا للبقاء فيه ضرورة ملجئة بحيث إذا تركته لم تجد ما تأكل أو ما تشرب ونحو ذلك، فإذا كنت مضطرا على هذا النحو جاز لك البقاء فيه حتى تجد عملا آخر تندفع به الضرورة لعموم قوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119} مع العلم بأن الضرورة تقدر بقدرها، فلا يجوز الانتفاع من دخلك من هذا العمل في هذه الحالة إلا بمقدار ما تدفع به الضرورة فقط، وما بقي فإنه يصرف في مصالح المسلمين.
وما كان من هذه الآثار مما لم يرد نهي عنه وهو وسيلة لمعرفة تاريخ الأمم والاعتبار بما وقع لهم، وكذا معرفة ثقافاتهم وعمرانهم وغير ذلك فلا مانع من العمل في مجاله وأخذ الاجرة على ذلك، ولا يشكل على ذلك أن الدخل الذي تدفع منه هذه المؤسسة أجور الموظفين مختلط من الحلال والحرام فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع تجار اليهود وغيرهم من المشركين ولا شك أن أموالهم يختلط فيها الحلال بالحرام. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 59045.
والله أعلم.