الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى حكم التأمين الصحي، ولك أن تراجعي فيه فتوانا رقم: 3281.
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فقد ثبت في الحديث الشريف أن الميت يعذب بالديون التي عليه، فعن جابر رضي الله عنه قال: توفي رجل فغسلناه وكفناه وحنطناه، ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقلنا: تصلي عليه، فخطا خطوة ثم قال: أعليه دين؟ قلنا: ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه، فقال أبو قتادة: الديناران علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أوفى الله حق الغريم وبرىء منهما الميت. قال: نعم؛ فصلى عليه. ثم قال بعد ذلك بيومين: ما فعل الديناران؟ قلت: إنما مات أمس. قال: فعاد إليه من الغد فقال: قد قضيتهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآن بردت جلدته رواه أحمد بإسناد حسن والحاكم والدارقطني، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ورواه أبو داود وابن حبان في صحيحه باختصار. قال الشوكاني: فيه دليل على أن خلوص الميت من ورطة الدين وبراءة ذمته على الحقيقة ورفع العذاب عنه إنما يكون بالقضاء عنه، لا بمجرد التحمل بالدين بلفظ الضمانة. انتهى
ولكن ما ذكرته عن أخيك يفيد أنه ليس هو المطلوب بتلك الديون؛ لأنه ليس هو الذي التزم بها، أو تعاقد مع أصحابها، وإنما كان جميع ذلك منك أنت.
وفيما إذا كانت قيمة فاتورة العلاج تعتبر دينا واجب السداد؟ نقول: إن كان العقد الذي وقع بينك وبين الجهة التي تم عندها العلاج كان عقد جعالة، بأن اشتُرط فيه البرء، فإن تلك الجهة لا تستحق شيئا؛ لأن البرء لم يحصل، والجعل إنما يُستحق بالتمام.
وإن كان العقد عقد إجارة، وقامت فيه الجهة بجميع العمل المتعاقَد عليه، فإنها بذلك تستحق الأجرة كاملة، أو تستحق منها نسبة ما قامت به من العمل إذا كان الوفاة قد حصل قبل إكمال الأعمال المشترطة؛ لأن الإجارة عقد ملزم للطرفين، ولا يشترط فيها حصول النفع للمستأجر، وتنفسخ بموت المريض قبل إكمال العمل المتعاقَد عليه. ولك أن تراجعي في هذا فتوانا رقم: 79524.
ثم قولك: "إن أخاك فور حضوره أدخل إلى المستشفى على أساس أن الشركة التي يعمل بها سوف تتحمل قيمة فاتورة العلاج بناء على الوعد الشفوي من المدير، وأنك أنت قمت بالتوقيع على أوراق دخوله إلى المستشفى دون أية مسئولية شخصية بتحمل أي تكاليف"، إن كنت تعنين بهذا الكلام أن القائمين بالعمل في المستشفى قبلوا الحوالة على الشركة التي يعمل بها أخوك، وأنهم إنما طلبوا توقيعك كإجراء شكلي فقط، فإنهم بذلك لا يكون لهم حق عليك، وإنما عليهم أن يطلبوا حقهم ممن رضوا بالحوالة عليه.
وإن كنت تعنين أنك أنت الضامنة لهذا الحق، ولكنك ذكرت لهم خبر الشركة ليثقوا من ضمانك، فإنك بذلك تكونين أنت المسؤولة عن جميع تلك التكاليف.
وحول سؤالك عما تفعلين بتلك الأموال التي حصلت في حال ما إذا قبل المستشفى الطعن وعفاك من السداد نقول: إن الغالب أن المانحين لمثل هذا المال يعطونه على وجه الصدقة ولا يريدون استرجاعه ولو لم يحصل الغرض الذي جمع له في الأصل. وعليه يكون ما حصل لأخيك منه قد أصبح ملكا له، ومن حقك أنت أن تستعيني به في قضاء حقوق المستشفى؛ لأنك قمت عن أخيك بواجب. كما أنه يصرف لورثة أخيك إذا رضي المستشفى بتبرئتك من الدين.
ولكنه إذا علم أن المانحين إنما يعطون هذا المال ليستعان به في العلاج لا غير، فالواجب حينئذ أن يرد لأصحابه. ففي شرح الخرشي عند قول خليل: وإن أعانه جماعة.. فإن لم يقصدوا الصدقة عليه رجعوا بالفضلة، وعلى السيد بما قبضه إن عجز وإلا فلا... قال: يعني أن المكاتب إذا أعانه جماعة بمال يستعين به على أداء نجوم كتابته فأداها وفضل بعد ذلك فضلة، فإن لم يقصدوا بذلك الصدقة عليه بأن قصدوا فكاك رقبته أو لا قصد لهم فإنهم يرجعون عليه بتلك الفضلة. فإن عجز المكاتب عن أداء نجوم الكتابة ورق لسيده فإنهم يرجعون على السيد بما قبضه من مالهم؛ لأنه لم يحصل قصدهم. وأما إن قصدوا بذلك الصدقة على المكاتب فإنهم لا يرجعون بالفضلة عن أداء النجوم، وكذلك إذا لم يفضل شيء بل ولا بما قبضه السيد إن عجز.
وعلى هذا التقدير الأخير، فإن المال الذي جمع من المسجد إذا تعذر إرجاعه لأصحابه بعد البحث والاجتهاد، فإنه يُتصُدق به عنهم.
وتجدر الملاحظة إلى أن الوعد الذي وعد به مدير الشركة التي كان يعمل عندها أخوك ليس ملزِما لمدير تلك الشركة؛ لأن الوعد قد ذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض المالكية إلى أن الوفاء به مستحب وليس بواجب.
ونسأل الله العلي القدير أن يتقبل أخاك في فسيح جناته، وأن يعينك على حل ما علق بك من المشاكل.
والله أعلم.