الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يبارك فيك، ويحبك كما أحببتنا فيه، وقول الله تبارك وتعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ{الضحى:11}، قال أهل التفسير معناها: انشر ما أنعم به الله عليك بالشكر والثناء. فالتحدث بنعم الله تعالى والاعتراف بها شكر، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والحكم عام له ولغيره.
قال ابن العربي: إذا أصبت خيرا أو علمت خيرا فحدث به الثقة من إخوانك على سبيل الشكر لا الفخر والتعالي، وفي المسند مرفوعا: من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله والتحدث بالنعمة شكر وتركها كفر...
فهذا هو الأصل أن يتحدث المسلم بنعم الله تعالى عليه إلا إذا كان يخشى حسدا أو أن يترتب على الحديث عنها ضرر، فله أن يخفيها دفعا للضرر.
قال العلماء: والأصل في ذلك قول الله تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام: قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ {يوسف:5} . وإن كان الأصل إظهارها والتحدث بها كما أمر الله تعالى.
وأما دعاء الرجل بأن تحصل له الكفاية بالقليل من النوم والأكل والشراب لكي لا تشغله هذه الأمور كثيرا... فالظاهر أنه لا حرج فيه؛ لأن الدعاء مأمور به على كل وجه ما لم يكن بإثم أو قطيعة رحم. فقد قال الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}. وقال: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ. {الأعراف:55}. وقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: 186].
وفي الحديث الشريف: ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها، حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع. رواه أبو يعلى. وفي الحديث أيضا: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء. رواه مسلم.
ولكن لتعلم أن النوم والأكل والشرب إذا لم يكن فيها اعتداء، وأخذ المرء منه ما قدر له بنية أداء الواجب والتقوي على العبادة كانت في حقه عبادة.
وراجع الفتوى رقم:4476، والفتوى رقم:24782 .
والله أعلم.