الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن على الأخت السائلة أن تهون على نفسها فإن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولم يجعل علينا في الدين من حرج فقال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج: 78}.وقال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن: 16} وقال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة: 286}. وقال صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه. رواه مسلم. وفي رواية ابن ماجه: فانتهوا.
أما عن مسألة الغازات إن كنت على يقين من خروجها فقد تقدم بيان الحكم فيما لو كانت تستمر أو تنقطع، وبينا ذلك بتفصيل في فتاوى عديدة منها الفتوى رقم: 8777، والفتوى رقم: 32885، فإن كانت السائلة صاحبة سلس لم يصح وضوؤها إلا بعد دخول الوقت على الراجح وهو ومذهب الشافعية والحنابلة أي أن وضوء صاحب السلس ومن في حكمه لا بد أن يكون بعد د خول الوقت، قال النووي في المجموع في الفقه الشافعي: مذهبنا أنه لا يصح وضوء المستحاضة لفريضة قبل وقتها ووقت المؤداة معروف ووقت المقضية بتذكرها. ودليل المذهب أنها طهارة ضرورة، فلا يجوز شيء منها قبل الوقت لعدم الضرورة، وقال أبو حنيفة: يجوز وضوؤها قبل الوقت. انتهى.
ومعلوم أن صاحب السلس حكمه حكم المستحاضة في هذه المسألة، وإن تم الوضوء بعد دخول الوقت وبعده الذهاب مباشرة إلى مكان الصلاة فلا ينتقض بحدث السلس الذي يحصل في الطريق إلى الصلاة بل ولو حصل أثناء الصلاة هذا عن صلاة المغرب أما العشاء فلا تصح بالوضوء الذي صليت به المغرب لأنه حصل قبل وقتها إضا فة إلى ما ذهب إليه بعض أهل العلم من أن صاحب السلس ليس له أن يصلي أكثر من فرض بوضوء واحد كما سبق ذكره في الفتوى رقم: 76540، وإن كانت حالتك لم تصل إلى حد السلس كما هو الظاهر فلا يرتبط الوضوء بالوقت بل يصح قبله ولو بكثير لكنه ينتقض بالحدث المذكور، والذي ينبغي هو انتظار الوقت الذي يتوقف فيه ثم توضئي وصلي ولو تأخرت أو تقدمت عن الجماعة هذا ما دام الوقت باقيا وإلا فلا تؤخري الصلاة عن وقتها ولو لم ينقطع الحدث، وننبه هنا إلى أن الصلاة مع مدافعة الأخبثين منهي عنها في الحديث الصحيح وهي مكروهة، كما أن مدافعتهما عده أهل العلم من أعذار التخلف عن الجماعة أي أنه إذا دار الأمر بين أن يصلي الشخص وهو حاقن مع الجماعة أو يتخلص من الحدث ويتوضأ ويصلي منفردا مثلا فإن الأولى هنا هو التخلف عن الجماعة لهذا الغرض للنهي عن الصلاة في هذه الحالة المشغلة عن الخشوع قال في المهذب في الفقه الشافعي، وهو يعد أعذار التخلف عن الجماعة: وَمِنْهَا: أَنْ يَحْضُرَ الطَّعَامُ وَنَفْسُهُ تَتُوقُهُ أَوْ يُدَافِعَ الْأَخْبَثَيْنِ ; لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: { لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ} ).انتهى قال النووي معلقا هنا: وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ عُذْرَانِ يُسْقِطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَمَاعَةَ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا، قَالَ أَصْحَابُنَا: يُكْرَهُ أَنْ يُصَلَّى فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ انتهى
وأما الإفرازات فيبدو أن حالتك معها لا تخلو من وسوسة. وعليه فلا عبرة إلا بما تحقق خروجه منها، ولقد أصبت في إعراضك عنها بعد ما تبين أنها في أغلب الأحوال تكون أوهاما وشكوكا.
ثم إن البحث عنها ووضع القماش للتأكد منها فيه شيء من التنطع في الدين، والصواب أن تعرضي عما لم تتحققي من نزوله، فإن تحققت من ذلك فقد سبق أن أوضحنا حكم هذه الإفرازات من حيث الطهارة من عدمها وما يترتب على استمرار نزولها وتقطعه في الفتوى رقم: 51282، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 15179.
والله أعلم.