الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنتما قد رضيتما ببقاء بعضكما بعيداً عن بعض خلال مدة دراستك وسفرك فلا حرج في ذلك ولا إثم عليها، ولا ينبغي أن تلجئك إلى ذلك، وإن فعلت فهي آثمة لأنها انتزعت موافقتك بالحياء، والمأخوذ حياء كالمأخوذ غصبا إذا لم تكن متضررة من المقام معك في ذلك البلد، ومن المعلوم أن المرأة عليها أن تطيع زوجها ولا تخالف أمره فيما هو معروف مما لا ضرر عليها فيه، لما ورد من الأدلة التي تبين مدى عظم حق الزوج على زوجته ووجوب طاعتها إياه في المعروف، ومن ذلك قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ {النساء:34}، ومن السنة ما رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة -وهي أسماء بنت يزيد الأنصارية- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال، فإن يصيبوا أجروا، وإن قتلوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون، ونحن معشر النساء نقوم عليهم، فما لنا من ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج واعترافا بحقه يعدل ذلك كله، وقليل منكن من يفعله. رواه البزار والطبراني. وروى البيهقي في شعب الإيمان عن حصين بن محصن الأنصاري عن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة لها فلما فرغت من حاجتها قال لها: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلو إلا ما عجزت عنه. قال: انظري أين أنت منه، فإنه جنتك ونارك. وأخرج الحاكم في مستدركه وابن حبان في صحيحه أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم ما حق الزوج على الزوجة؟ قال: من حق الزوج على الزوجة لو سال منخراه دما وقيحا وصديداً فلحسته بلسانها ما أدت من حقه، ولو كان ينبغي لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها إذا دخل عليها.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ قال: زوجها، قلت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال: أمه. رواه البزار والحاكم بإسناد حسن، وقال صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. رواه الترمذي.
فهذه النصوص تدل على عظيم حق الزوج على زوجته ووجوب طاعتها إياه في المعروف؛ ولذا فإن رضاه عنها دليل على طاعتها إياه وقيامها نحوه بما يجب عليها فاستحقت هذا الوعد ألا وهو دخول الجنة، كما أن سخطه عليها إن كان لمسوغ شرعي دليل على تقصيرها معه فتستحق من الإثم بقدر ذلك، ولذا ننصح زوجتك بالإقامة معك والسعي في مرضاتك لتنال هذا الثواب العظيم، ولكن بما أنك أذنت لها بالإقامة في بلدها ولو كنت في داخلك تكره ذلك فإنها لا تكون ناشزاً، فيجب عليك أن تؤدي إليها حقها كاملاً غير منقوص من نفقة وغيرها، وأما تقدير النفقة لها فلا يختلف فيما إذا سكنت لوحدها أو في بيت أبيها بإذنك لأن مرد ذلك هو الوسع والعرف، لقول الله تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا {الطلاق:7}، فجعل ميزان الإنفاق تابعاً لحالة الزوج سعة وضيقاً.
كما تجب نفقة ابنتك عليك، بقدر ما يكفيها ويسد حاجتها من طعام، وكسوة، وتعليم، وعلاج، وسكنى، ونحو ذلك بقدر استطاعتك، وتحديد ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس، فالنفقة في الريف غيرها في الحضر، كما تختلف بحسب الوسط الاجتماعي، فإذا أردت تحديد ذلك بدقة، فانظر إلى أسرة تماثل أسرتك في المعيشة والدخل، وفيما إذا سكنت وحدها أو عند أهلها هل ينقص ذلك أو يزيد وأنفق مثل ما ينفقون، أو انظر حكم القاضي في بلدك لو حكم بالنفقة لأسرة في مستوى أسرتك كم تكون، وأنفق مثل ذلك، والأولى لها أن تسكن في الأكثر أمنا من بيتك وحدها أو بيت والدها في فترة غيابك، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 598. وفقك الله لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.