الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب على هذه الرسالة الطويلة والأسئلة الكثيرة نريد أولاً أن ننبهك إلى أن التبني قد أبطله الله بقوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ {الأحزاب:5}، وراجعي في حكم التبني الفتوى رقم: 32352.
وبناء عليه فإنك تعتبرين أجنبية عن الرجل الذي كفلك والولد الذي تربى معك في نفس البيت، وليس لك معهما أية علاقة سوى أنك أختهما في الدين، فلا يجوز أن يختلي بك أي منهما، ولا أن يصافحك أو يرى من عورتك ما لا تحل رؤيته من الأجنبية، ومثل هذا أيضاً ينطبق على من تبنتك مع الولد الذي تربى معك، ثم كفي عن الانتساب إلى هؤلاء، فإنه قد ورد وعيد شديد في انتساب المرء إلى غير أبيه، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام. ونهيك عن الانتساب إلى هذا الرجل ليس معناه أن لا تبريه وتحسني إليه، بل إنك قد أحسنت جداً بما يبدو من محبتك لهذه الأسرة التي كفلتك زمن احتياجك إلى الكفالة.
وفيما يتعلق بموضوع أسئلتك نقول: إذا كنت على الحال التي ذكرتها من حسن الخلق والدين فكان مما ينبغي أن لا يمتنع الرجال من الزواج بك لسبب كونك لقيطة، فالذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم فيما يدعو إلى الزواج بالمرأة هو ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك. وكونك لا يعرف أصلك أو نسبك وأهلك ليس ذنبا عليك، فكما قلت فقد قال الله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164}، وعسى الله أن يجعل هذه المحنة خيراً لك وذخراً عند الله في الآخرة، ولا تقنطي من رحمة الله، فقد يكون مدخراً لك من هو أفضل من جميع من خطبوك، ثم اصبري على ما تتلقينه من أذى الناس، فإن جزاء الصبر عظيم عند الله، قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}،.
أما النقطة الثالثة فقد تقدم جوابها في مقدمة الفتوى، وحول النقطة الرابعة فإذا كنت قد دفعت أكثر من ثلثي ثمن البيت من مالك الخاص -كما قلت- ولك ما يثبت ذلك من الأدلة، ورضيتم جميعاً بأن يكتب البيت باسمك واسم الولد الذي تربى معك مناصفة، فإن أقارب متبنيك -إذا توفى- لن يكون لهم حق في البيت، ولكن عليكم أن توثقوا كل هذا، وتشهدوا عليه العدول من الناس.
وأما عن النقطة الخامسة فإنه لا يجوز أن تخرجي الزكاة عن مال الولد المتبنى معك، وذلك لا يفيد شيئاً لأن الزكاة عبادة مالية، وتحتاج إلى نية المالك، وعليه فالواجب أن يخبر هو بهذا المال حتى يخرج زكاته، ولكنكم إذا كنتم تخافون عليه من تبذيره فعليكم أن ترفعوا أمره إلى القضاء الشرعي إن كنتم في دولة مسلمة، أو ترفعوه إلى مركز إسلامي في البلد الذي أنتم فيه إذا كان بلداً غير مسلم، ليجعل رقابة على تصرفه في المال، لأن المراكز الإسلامية في بلاد الكفر تقوم مقام جماعة المسلمين، وجماعة المسلمين تقوم مقام القاضي إذا لم يوجد، ثم إذا كان المال بالغاً نصاباً، فعليه أن يخرج زكاته عن كل السنين الماضية منذ بلوغه النصاب، لأن الزكاة لا تسقط بمضي زمنها، ثم ما ذكرته عن المتبنى معك من التغير والعصبية والألفاظ السيئة لا يمكنك أن تصلحيه بنفسك، لأنه -كما قدمنا- أجنبي عليك، وعليك إذاً أن تقتصري على الدعاء له، أو توجيهه بواسطة رسالة ونحو ذلك، ولا يجوز أن تعتبريه أخاً وتكلميه في خلوة وانفراد.
والله أعلم.