الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن هذا الموضع ليس من مواضع الدعاء في الصلاة أصلا؛ كما سبق أن أوضحنا في الفتوى رقم:4158، والعلماء قد اختلفوا في حكم الدعاء عند سماع آية الرحمة أو آية العذاب أو آية السؤال؛ فمنهم من يرى أنه سنة وهم الشافعية سواء في ذلك الفرض والنفل. قال النووي في المجموع في الفقه الشافعي: َقالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا: يُسَنُّ لِلْقَارِئِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا إذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الرَّحْمَةَ أَوْ بِآيَةِ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ الْعَذَابِ، أَوْ بِآيَةِ تَسْبِيحٍ أَنْ يُسَبِّحَ أَوْ بِآيَةٍ مَثَلُ أَنْ يَتَدَبَّرَ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَإِذَا قَرَأَ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} قَالَ: بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ، وَإِذَا قَرَأَ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} قَالَ: آمَنَا بِاَللَّهِ، وَكُلُّ هَذَا يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ قَارِئٍ فِي صَلَاتِهِ أَوْ غَيْرِهَا، وَسَوَاءٌ صَلَاةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْمَأْمُومُ وَالْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ ; لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَاسْتَوَوْا فِيهِ كَالتَّأْمِينِ، وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: {صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فقرأها، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إذَا مَضَى بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ سُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ. انتهى
وظاهر كلامهم أنهم لا يقولون بإحداث ذكر أو دعاء عند قراءة كل آية -كما هو الحال لدى الأخ السائل-
ومنهم من يرى أن استحباب ذلك خاص بالنفل. قال ابن قدامة في المغني: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي نَافِلَةً إذَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَهَا، أَوْ آيَةُ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْهَا... إلى أن قال: وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي فَرِيضَةٍ، مَعَ كَثْرَةِ مَنْ وَصَفَ قِرَاءَتَهُ فِيهَا.انتهى
ومنهم من يرى كراهة الدعاء عموما في هذا الموضع من صلاة الفرض -وهم المالكية- قال في الفواكه الدواني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني في الفقه المالكي وهو يذكر مكروهات صلاة الفريضة: وَكَالدُّعَاءِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ أَثْنَاءِ السُّورَةِ فِي الْفَرْضِ. انتهى.
ونحن نقول للأخ السائل: إذا تبين أن المسألة كما ذكرنا فينبغي أن تترك هذا الدعاء في هذا الموضع لاسيما وهو دعاء كثير يشغلك عن الاستماع إلى القراءة، والامر كما قال ابن قدامة رحمه الله لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان مما يفعله لنقل.
والله أعلم.