الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأعلم أنه ليس للولد الحق في أن يهجر أباه مهما كانت حالة الأب وسوء معاملته للابن، بل الواجب أن يتقرب إليه، ويترضاه ويعتذر له عما أغضبه عليه، فإن بر الأب ومصاحبته بالمعروف من آكد الواجبات، كيفما كانت قسوته في معاملته لأبنائه، قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:14-15}، وقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23-24}.
وأخرج الإمام مسلم وأحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة.
وعليه؛ فما كنت تتحمله من أبيك منذ بداية طفولتك، وما قلت إنه يحاوله من التعرض لمصالحك، وما لا حظته الآن من أنه امتنع عن الكلام معك... كل هذا لا يبيح لك أن تتركه ولو تركك ولم يسأل عنك.
واعلم أنك إذا عاملت أباك بمثل ما عاملك به من القطيعة أو غيرها ستعتبر دائماً أنت العاق، وإن لم يغفر لك الله ذلك فسوف تجزى بما تستحق، فبادر إلى ترضية أبيك والقرب منه، وقابل قطيعته لك بالاقتراب والاعتذار، واخفض له الجناح مهما كانت قسوته.
والله أعلم.