الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنت -كما ذكرت- طيبة مع الناس وتحبينهم، ومخلصة في صداقتك، وتخافين الله في عملك، تحبين صديقاتك وتسعين في إصلاح ما فسد في حياتهم مع أزواجهن.... فلن تكوني -إن شاء الله تعالى- ممن ورد فيهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله أحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال: فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعلى أية حال فإننا ننصحك فيما طلبت فيه النصح بما رواه الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. واعلمي أن هذا الحديث لا يقتضي ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح للمسلمين، وإنما يقتضي ترك المرء ما لا يهمه ولا يليق به من خصوصيات غيره، وما لا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه، ولا ينفعه في مرضاة مولاه، قال ابن رجب الحنبلي في كتاب جامع العلوم والحكم في شرح هذا الحديث: ومعنى هذا الحديث أن من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه من قول وفعل، واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال، ومعنى يعنيه أن تتعلق عنايته به ويكون من مقصده ومطلوبه، والعناية شدة الاهتمام بالشيء، يقال: عناه يعنيه إذا اهتم به وطلبه.... فإذا حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه في الإسلام من الأقوال والأفعال، فإن الإسلام يقتضي فعل الواجبات... وترك ما لا يعنيه كله من المحرمات أو المشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها، فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامه. انتهى بتصرف بسيط.
وقال الإمام الغزالي رحمه الله: وحدُّ الكلام فيما لا يعنيك أن تتكلم بكلام لو سكت عنه لم تأثم ولم تستضر به في حال ولا مآل...
فلا تتوقفي عن السعي في الإصلاح بين الناس ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ولو أبغضك بعض الناس جراء ذلك، فقد أخرج الترمذي وغيره: أن معاوية رضي الله عنه كتب إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن اكتبي إلي كتاباً توصيني فيه ولا تكثري علي. فكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية سلام عليك أما بعد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس. والسلام عليكم.
والله أعلم.