الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كنت تقصد ما إذا كان الإسلام في حرب مستمرة، فالجواب أن الإسلام حق وكل ما سواه باطل، والحق والباطل بينهما صراع منذ أن خلق الله الإنسان، قال عز وجل: فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى {طه:117}، ومنذ تلك اللحظة ابتلي الإنسان بكيد الشيطان وصراعه معه، وما زال الشيطان يكيد لآدم حتى أهبط لهذه الدنيا، وهنا انتقل ميدان الصراع إلى هذه الأرض، يقول الله عز وجل: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ {البقرة:36}، وبعد بعثة الرسل عليهم السلام صارت الخصومة بين الرسل وأتباعهم، وبين أعداء الرسل من الشياطين وأتباعهم، ولذلك يقول الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ {الفرقان:31}، ويقول الله جل وعلا: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ* وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ {الأنعام:112-113}.
وبعد بعثة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم انحصرت الخصومة بين أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وبين أعدائه، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان له أعداء كثيرون من المجرمين، ومن الأكابر: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ {الأنعام:123}، وبالمقابل بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أصبح أولياؤه هم العلماء الذين ورثوا هديه وتراثه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن العلماء ورثة الأنبياء. رواه أبو داود، والترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد.
وبين الله عز وجل أن هذه الأمة سيوجد فيها من يحمل الرسالة، فكلما جاء جيل قيض الله تعالى منهم من يحمل الراية، ويقيم الحجة على أهل ذلك العصر، يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ {الأعراف:181}، وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة.
ويقابلهم أعداء الرسل يحاربونهم ويضعون في طريقهم الأذى والشوك، ولا يضرونهم إلا بالتعب والجهد، قال الله تعالى: لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ {آل عمران:111}، فكل تلك الآيات توضح الجهد الذي يبذله أهل الباطل في تزيين باطلهم، وفي تشويه الحق: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا {الأنعام:112}، ولذلك نجد الحملة الإعلامية العالمية اليوم ضد الإسلام تسمى المسلمين: بالأصوليين -مثلاً- أو المتشددين أو المتطرفين... أو غير ذلك من العبارات التي تبثها وكالات الإعلام العالمية، وتتناقلها، مع الأسف بعض وسائل الإعلام في البلاد الإسلامية، ومن الأمثلة على هذا الصراع أيضاً قضية الأدب والشعر وغيرهما من الوسائل المهمة في كثير من البلاد الإسلامية أصبحت وسائل للهدم والتخريب، وتهييج الغريزة والجنس والإثارة، فأضافت ألواناً كثيرة من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، وأعداداً هائلة من الدواوين الشعرية التي تسير في اتجاه زخرفة الباطل وتلبيسه بالحق.
ولا نستطيع حصر مجالات الصراع بين الحق والباطل.. إلا أننا على يقين من أن النصر والغلبة في نهاية المطاف ستكون للحق على الباطل، قال الله تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ {الأنبياء:105}، وقال تعالى: وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ {القصص:5}، وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:55}، وقال تعالى: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {الأعراف:128}.
والله أعلم.