الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالوضوء ينقسم إلى قسمين:
- الوضوء الواجب الذي هو شرط في صحة الصلاة.
- الوضوء المسنون أو المستحب، وهذا يكون لعدة أمور نبَّه عليها بعض أهل العلم.
ففي المجموع للنووي: وقد ذكر المحاملي في اللباب أنواع الوضوء المسنون فجعلها عشرة، وزاد فيها غيره فبلغ مجموعها خمسة وعشرين نوعا، منها: تجديد الوضوء، والوضوء في الغسل، والوضوء عند النوم، والوضوء للجنب عند الأكل أو الشرب، والوضوء من حمل الميت، وعند الغضب، وعند الغيبة، وعند قراءة القرآن، وعند قراءة حديث النبي صلى الله عليه وسلم وروايته، ودراسة العلم، وعند الأذان وإقامة الصلاة أي لمجرد الإقامة، أما الصلاة فالوضوء شرط في صحتها -كما هو معلوم- وللخطبة في غير الجمعة، وكذا للجمعة إذا لم نوجب فيها الطهارة، ولزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وللوقوف بعرفات، وللسعي بين الصفا والمروة، والوضوء من الفصد والحجامة والقيء وأكل لحم الجزور للخروج من خلاف العلماء في وجوبه. وكذا يندب الوضوء لكل نوم أو لمس أو مس اختلف في النقض به وقلنا لا ينقض، وكذا في مس الرجل والمرأة الخنثى، ومسه أحد فرجيه ونحو ذلك. ورأيت في فتاوى ابن الصباغ أنه يستحب لمن قص شاربه الوضوء ولعله أراد الخروج من خلاف من أوجب طهارة ما ظهر بالقطع فيعيد الوضوء للترتيب والموالاة. والله أعلم. انتهى
وإذا توضأ لما يستحب له الوضوء لا يجزئه أن يصلي به الفريضة عند المالكية وأكثر الشافعية، قال الحطاب في مواهب الجليل وهومالكي: يعني أن المتوضئ إذا نوى استباحة فعل ندبت له الطهارة فإنه لا يرتفع الحدث، ولا يستبيح بذلك شيئا مما منعه الحدث. قال المازري: لأن الفعل الذي قصد إليه يصح فعله مع بقاء الحدث فلم يتضمن القصد إليه القصد برفع الحدث كما تضمنه القصد إلى ما تجب الطهارة فيه. انتهى.
وقال في التوضيح: قاعدة هذا أن من نوى ما لا يصح إلا بطهارة كالصلاة ومس المصحف والطواف فيجوز أن يفعل بذلك الطهر غيره، ومن نوى شيئا لا يشترط فيه الطهارة كالنوم وقراءة القرآن ظاهرا وتعليم العلم فلا يجوز أن يفعل بذلك الوضوء غيره على المشهور. انتهى.
وفي المهذب للشيرازي وهوشافعي: قال المصنف - رحمه الله تعالى - وإن نوى الطهارة لقراءة القرآن أو الجلوس في المسجد وغير ذلك مما يستحب له الطهارة ففيه وجهان: أحدهما: أنه لا يجزيه؛ لأنه يستباح من غير طهارة فأشبه ما إذا توضأ للبس الثوب. والثاني : يجزيه لأنه يستحب له أن لا يفعل ذلك وهو محدث فإذا نوى الطهارة بذلك تضمنت نيته رفع الحدث .
قال شارحه النووي في المجموع: (الشرح): هذان الوجهان مشهوران ودليلهما ما ذكره، وأصحهما عند الأكثرين أنه لا يصح، ممن صححه الشيخ أبو حامد والماوردي والمحاملي والقاضي أبو الطيب في كتابه شرح الفروع والبغوي والروياني في كتابه الكافي والرافعي وغيرهم، وبه قطع البغوي في شرح السنة وجماعة من أصحاب المختصرات، قال الشيخ أبو حامد: وهو قول عامة أصحابنا، وصحح جماعة الصحة منهم ابن الحداد والفوراني والشيخ أبو محمد في الفروق وولده إمام الحرمين في كتابه مختصر النهاية. انتهى
ويستحب للمسلم دائما أن يكون على طهارة، وبالتالي فيجوز له الوضوء قبل دخول وقت الصلاة. قال النووي في المجموع أيضا: يستحب المحافظة على الدوام على طهارة وعلى المبيت على طهارة وفيهما أحاديث مشهورة
وقال أيضا: أجمع العلماء على جواز الوضوء قبل دخول وقت الصلاة، نقل الإجماع فيه ابن المنذر في كتابه الإجماع وآخرون، وهذا في غير المستحاضة ومن في معناها، فإنه لا يصح وضوؤها إلا بعد دخول الوقت. والله أعلم. انتهى
ويكفيك عند الوضوء نية رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو أداء الفرض، ففي التاج والإكليل للمواق: ابن شاس: كيفية النية أن ينوي بها رفع الحدث، أو ما لا يستباح إلا بطهارة، أو أداء فرض الوضوء. انتهى. ولا يلزمك استحضار نية الصلاة عند كل وضوء.
والخلاصة أن من نوى رفع الحدث عند الوضوء سواء كان ذلك الوضوء واجبا أو كان مستحبا فإنه يصلي به ويطوف، ومن لم ينو رفع الحدث وإنما نوى الفعل كقراءة القرآن -مثلا- ونحوها ففيه التفصيل السابق.
والله أعلم.