الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان كما ورد بذلك الحديث الصحيح، فينبغي أن يُبغَض العاصي لمعصيته وتفريطه في حق مولاه، ولكن يجب أن يكون البغض بحجم الذنب، فالمسلم لا يُبغَض بغضاً كاملا ما دام معه أصل الإيمان، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 24845. لأن البغض في الله من أحب الأعمال إلى الله، وهو سبب من أسباب استكمال الإيمان، ففي الحديث الشريف: إن أحب الأعمال إلى الله الحب في الله، والبغض في الله. رواه أحمد. وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان. وللطبراني مرفوعاً: أوثق عرى الإيمان الحب والبغض في الله عز وجل.
ولكن ما دام يذكر أنه قد تاب فعليك أن تغيري نظرتك نحوه وبغضك له لزوال سببه إن كانت توبته صحيحة، وعلامتها الاستقامة وتبدل الحال والندم، فإن كان كذلك فهو دليل على صدق توبته وقبولها، واعلمي أن التوبة تهدم ما قبلها ولو كان أعظم الذنوب ألا وهو الإشراك بالله، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، فالله سبحانه وتعالى يقبل توبة عبده إذا أناب إليه، والمرء ضعيف قد تحصل منه بعض الزلات ولكنه يؤوب ويتوب منها، فالمصيبة ليست في الخطأ وإنما في الإصرار وعدم التوبة منه، قال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82}، أي وإني كثير المغفرة لمن تاب من الذنوب التي أعظمها الشرك بالله وآمن بالله وعمل صالحا، وقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {آل عمران:135-136}، وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم.
فننصحك أيتها الأخت الكريمة بالصبر وبذل الجهد في نصحه ووعظه وحثه على التوبة والاستقامة، ولا يضر عقد الزوجية وبقاء العصمة وقوع الرجل أو المرأة في فاحشة الزنا أو غيرها من المعاصي، كما أوضحناه في الفتوى رقم: 51937، وقد بينا في الفتوى السابقة ما ينبغي لك فعله، ولكن إن رأيت عدم انزجاره عن ذلك وعدم صدق توبته واستقامته فلك طلب الطلاق منه، ولكن لا يلزمه أن يستجيب لهذا الطلب، كما بيناه في الفتوى رقم: 50499. ولا ننصح بالطلاق لمصلحة الأبناء والتئام شمل الأسرة.
وما كان لك أن تتجسسي عليه وتلجئيه إلى الاعتراف لك بما ارتكبه، وما كان ينبغي له أن يخبرك بذلك بل يستتر بستر الله عليه ولا يفضح نفسه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. رواه الحاكم والبيهقي، وصححه السيوطي وحسنه العراقي، وقال صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري.
والله أعلم.