الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يوفقك في دراستك، ويرزقك زوجاً صالحاً تقر به عينك وتسعد به نفسك، وأما ما سألت عنه مما يراودك من الأوهام في عدم وجود زوج في المستقبل، وهل الأولى لك البقاء ببلدك أو السفر لأجل الدراسة مع احتمال تأخر الزواج، لهذا السبب فالجواب والله تعالى أعلم: أن إكمال الدراسة أولى إذا كانت مشروعة في نفسها ولا يترتب عليها ارتكاب محظور، وقد بينا ضابط ذلك في الفتوى رقم: 6015. لما تحققه من فائدة لك ولغيرك، والغربة لأجلها ليست عائقاً أمام الزواج، بل ربما تكون سبباً إليه لرغبة كثير من الرجال في المرأة المتعلمة، واعلمي أن مثل تلك الأوهام والخواطر لا يعول عليها، ولا ينبغي أن تصد المرء عن حاجته فسيأتيك ما كتب لك إن عاجلاً أو آجلا، فما كتب لا يمنعه السفر، وما لم يكتب لا يجلبه القرار، وصح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن روح القدس نفث في روعي إن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب. وهو في الحلية لأبي نعيم عن أبي أمامة رضي الله عنه، وعزاه ابن حجر لابن أبي الدنيا. وذكر أن الحاكم صححه من طريق ابن مسعود.
والزواج من الرزق، ولكن المرأة إذا بلغت واحتاجت للزواج وجاءها الكفء، فلا ينبغي لها أن تؤثر على الزواج شيئاً من دراسة أو عمل أو غير ذلك، فإن ذلك لا يغني المرأة عن الزوج، قال الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}، فالسكن والأنس والرحمة والمودة لا تجدها المرأة في العمل ولا في الدراسة، وإنما تجدها في زوج صالح يكرمها ويحافظ عليها ويعفها.
والذي ننصحك به هو أن تكملي دراستك إن كانت مشروعة، وأن لا تؤخري الزواج، إن وجدت كفؤاً فإن التعجيل بالزواج شيء ندب إليه الشرع وحث عليه، قال عليه الصلاة والسلام: ثلاث لا يؤخرن: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفؤاً. رواه الترمذي وأحمد.
ولا تعارض بينه وبين الدراسة، بل ربما يعين عليها للاستقرار النفسي الذي يحصل معه، وبالجملة فالنكاح مأمور به شرعاً، مستحسن وضعاً وطبعاً، ولا يصلح تأخيره إذا حان وقته، إلا لغرض صحيح نافع يزيد على مصالح ومنافع النكاح وتعذر الجمع بينهما. وللفائدة راجعي في ذلك الفتوى رقم: 73333.
والله أعلم.