الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن تعرفك على هذه الفتاة، وإقامة علاقة تعارف بينكما بحيث أصبحت تحدثك عن علاقاتها وسوابقها المنحرفة أمر لا يجوز، فلا علاقة مسموح بها بين الجنسين سوى علاقة الزوجية المعلنة الطاهرة النظيفة القائمة على تحمل المسؤولية وبناء الأسرة وتربية الذرية، وما سواها من علاقات لا يقرها الشرع ولا يسمح بها، وقد سبقت لنا أجوبة مفصلة في ضوابط العلاقة بين الرجل والمرأة نحيلك على بعضها للفائدة، وعدم التكرار، وهي تحت الأرقام التالية:9360، 1769، 3910، 9463، 3672.
وقد كان يجب على هذه الفتاة التوبة إلى الله تعالى مما فعلت، وذلك بالندم عليه، والعزم على عدم العودة إليه أبدا، وأن تستر نفسها، ولا تبوح بما فعلت لأحد، لقوله صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا. رواه الحاكم.
والشرع قد حرم على المرأة السفر دون محرم يرافقها، والخلوة بالأجانب، فقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم. وعنهما أيضا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم. وقال صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما. رواه أحمد، والترمذي، والحاكم.
وأخطر من هذا ما حصل من الزنا فهو كبيرة من الكبائر العظام، سماها الباري فاحشة، فقال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا{الإسراء:32}
وقد قرن الكلام عن الزنا بالكلام عن الشرك وقتل النفس لبيان شناعته ولكنه تعالى فتح باب التوبة من ذلك كله وذلك في الحديث عن صفات عباد الرحمن. قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا{الفرقان:68-70}. وقال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{التوبة:104} وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ {الزمر:53-54}. وقال الله في الحديث القدسي: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه. وقد روى ابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. حسنه ابن حجر وتابعه الألباني.
وليس ما حصل منها مانعا لك من الزواج بها إن تحققت من توبتها وتأكدت من براءة رحمها؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، و كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.
فقد ذكر أهل العلم أنه يجوز لمن علم من امرأة أنها تزني أن يتزوجها بشرطين: أحدهما: التوبة إلى الله تعالى، ثانيهما: استبراؤها. فإذا توفر الشرطان جاز الزواج منها، والدليل على وجوب الاستبراء قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة. أخرجه البغوي في شرح السنة وأبو داود، وقال ابن حجر في التلخيص: إسناده حسن، وصححه الحاكم وقال: على شرط مسلم.
وقال ابن قدامة في المغني: وإذا زنت المرأة لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها إلا بشرطين: أحدهما: انقضاء عدتها.. والشرط الثاني: أن تتوب من الزنا...اهـ
والخلاصة أن الزانية إذا تابت إلى ربها وتحققت براءة رحمها من ماء السفاح جاز نكاحها بأي غرض كان، فإذا فقد أحد الشرطين لم يجز نكاحها؛ ولو بقصد الستر عليها، والتغطية على عملها القبيح.
وعليك بالبحث عن امرأة صالحة فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك.
وراجع في في نكاح الزانية الفتويين التاليتين:35509، 11295.
والله أعلم.