الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز الحداد على الميت أكثر من ثلاث ليال في غير حق الزوجة على زوجها، وأما هي فأربعة أشهر وعشر، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ولما كانت مصيبة الموت لا بد أن تحدث للمصاب من الجزع والألم والحزن ما تتقاضاه الطباع، سمح لها الحكيم الخبير في اليسير من ذلك وهو ثلاثة أيام، تجد بها نوع راحة، وتقضي بها وطراً من الحزن. وما زاد عن الثلاث فمفسدته راجحة، بخلاف مفسدة الثلاث فإنها مرجوحة، مغمورة بمصلحتها. انتهى.
وفي الصحيحين من حديث زينب بنت أبي سلمة قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً.
وأما مجرد الحزن في مثل هذا الظرف فهو أمر فطري، ولذلك لا يؤاخذ عليه لأنه أمر خارج عن إرادة المصاب، وكذلك البكاء من غير نياحة، ما لم يصحبه فعل أو قول محرم، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئراً لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأنت يا رسول الله، فقال يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم: إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون. هذه رواية البخاري، قال النووي رحمه الله تعالى: فيه جواز البكاء على المريض والحزن، وأن ذلك لا يخالف الرضا بالقدر، بل هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما المذموم الندب والنياحة والويل والثبور ونحو ذلك من القول الباطل، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. انتهى.
فمجرد حزنكم لا إثم فيه ولكن لا يجوز لكم أن تمتنعوا لأجله إذا دعيتم إلى وليمة العرس لوجوب تلبية دعوتها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها. رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد. وفي لفظ للبخاري ومسلم من حديث أبي هريرة: ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله.... وأما غيرها من الدعوات فيستحب إجابة دعوتها ولا ينبغي أن يكون الحزن حائلاً دون تحصيل ثواب هذه الأعمال، وفي الحديث الصحيح أيضاً: حق المسلم على المسلم ست، قيل: ما هي يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد لله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه. رواه مسلم.
كما تنبغي مخالطة الناس وحضور مجالسهم لتحصل السلوى عن المصاب، وحزنكم عليها لا ينفعها، ولذا ينبغي أن تفعلوا ما ينفعكم وينفعها هي مما ذكرناه في الفتوى رقم: 44878.
والله أعلم.