الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اشتمل السؤال على أمرين أساسيين:
الأول: قولك إن العاقد قد حضر متأخرا وطلب منك ومن زوجك أن تمضيا على وثيقة العقد التي كان قد أعدها مسبقا، مما يفيد أن صيغة العقد لم تكن ملفوظة، وإنما اكتفيتم فيها بالكتابة.
الثاني: قولك إنه قد حضر العقد أخوك الذي هو ولي أمرك، وشهد بنفسه، وشهد معه أحد أقارب زوجك، مما يدل على أن شاهدي العقد كان الولي أحدهما.
وهذان الأمران يفيد كل منهما فساد النكاح.
ذلك أن الإيجاب والقبول يكون بصيغة ملفوظة ينعقد بها الزواج، مثل: زوجت أو أنكحت أو زوجني أو أنكحني، فيرد الطرف الآخر بالرضى، قال صاحب المنهاج في الفقه الشافعي: إنما يصح النكاح بإيجاب وهو أن يقول: زوجتك أو أنكحتك، وقبول بأن يقول الزوج (ومثله وكيله) تزوجت أو نكحت، أو قبلت نكاحها. انتهى.
وجاء في مغني المحتاج: ولا ينعقد بكتابة في غيبة أو حضور؛ لأنها كناية. فلو قال لغائب: زوجتك ابنتي، أو قال: زوجتها من فلان، ثم كتب فبلغه الكتاب أي الخبر، فقال قبلت لم يصح.
ومثل هذا في الفقه المالكي وفي المذاهب الأخرى أيضا، قال الشيخ الدردير في أقرب المسالك المسمى بالشرح الصغير: ... ولا تكفي الإشارة ولا الكتابة إلا لضرورة خرس.
فصيغة النكاح لا بد أن تكون ملفوظة، ولا تكفي فيها الكتابة إلا للأخرس والعاجز عن الكلام.
كما أن النكاح لا يصح بدون شهادة عدلين ليس الولي أحدهما. قال الشيخ خليل بن إسحاق –رحمه الله تعالى-: وإشهاد عدلين غير الولي بعقده وفسخ إن دخلا بلاه... قال الخرشي: وأشار بقوله (غير الولي بعقده) إلى أن شهادة الولي على عقد وليته لا تجوز ولو مع غيره؛ لأنه يتهم في الستر عليها...
وفي منح الجليل: فإن لم يوجد عدلان كفى من لم يعرف بالكذب واستحسن الإكثار من الشهود حينئذ.
وقال الباجي في الانتقاء: قال ابن القاسم إن دخل ولم يشهد إلا شاهدا واحدا فسخ النكاح ويتزوجها بعد أن تستبرئ بثلاث حيضات إن أحب.
وجاء في المغني لابن قدامة: الفصل الثاني أن النكاح لا ينعقد إلا بشاهدين. هذا المشهور عن أحمد. وروي ذلك عن عمر وعلي وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد والحسن والنخعي وقتادة والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي. وعن أحمد أنه يصح بغير شهود. وفعله ابن عمر والحسن بن علي وابن الزبير...
وبناء على ما ذكر، نقول إن النكاح المذكور في السؤال لم يستكمل أركانه، فالواجب -إذاً- فسخه، ثم بعد الاستبراء يمكنكما أن تتزوجا بعقد صحيح.
هذا هو صحيح المذهب المالكي الذي قلت إنه المتبع عند أئمتكم، وهو الذي عليه المذاهب الأخرى أيضا.
ولو قدر حصول ذرية بينكما فإنها تلحق بالزوج، للعذر بما ذكرته من الجهل.