الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله العلي القدير أن يخلصكم من الحرام ويطهركم منه، فهو -كما ذكرت- وحده القادر على ذلك، وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فإن للعلماء في التائب من المال الحرام ثلاثة أقوال:
الأول: يجب عليه أن يتخلص منه كله بصرفه في المشاريع الخيرية، والبحث عن مال حلال ينفق منه على نفسه وعلى من يعول.
الثاني: جواز الأخذ منه للنفقة إذا كان فقيراً مع التخلص من الزائد، قال الإمام النووي رحمه الله نقلاً عن الغزالي في معرض كلامه عن المال الحرام والتوبة منه ما نصه: وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيراً، لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم، بل هم أولى من يتصدق عليه، وله هو أن يأخذ قدر حاجته، لأنه أيضاً فقير. انتهى.
الثالث: لا يجب عليه التخلص من شيء منه، إلا أنه يرد عين الحرام لأصحابه إذا عُلِموا، ويحتفظ بجميع الباقي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والتوبة كالإسلام فإن الذي قال: الإسلام يهدم ما كان قبله، هو الذي قال: التوبة تهدم ما كان قبلها، وذلك في حديث واحد من رواية عمرو بن العاص. رواه أحمد ومسلم... والذي نرجحه من ذلك -والله أعلم- هو القول الثاني.
وعليه، فإذا كنت محتاجاً إلى السكن وإلى بعض هذه الأموال فلا نرى عليك حرجاً في الاستفادة منها، ولو مع نية عدم التعويض، ويكون ذلك من باب التصدق على النفس وعلى العيال في التخلص من المال الحرام، وإن كنت تريد الأحوط للدين والأبعد عن الشبهة فلا بأس بما قلت إنك تطمح إليه من الحصول على بيت من تلك البيوت لتسكنه، ثم تدفع ما يساوي قيمة المفروشات الموجودة به من المال الحلال لصالح المحتاجين، على أن تدفع قيمته كله في المستقبل مع الرقعة الأرضية التي بني عليها متى استطعت ذلك.
والله أعلم.