الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى ما ذكرته من الحب المتبادل بينك وبين تلك الفتاة يعتبر خطأ منكما، وقد يترتب عليه ما لا تحمدان معا عاقبته، ذلك أن فتنة النساء من أعظم الفتن، وأكثرها خطراً وضرراً، كما في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. فتوبا إلى الله من هذا الحب الذي ذكرته، واقطعا الصلة بينكما إلى أن يتم الزواج.
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك فإنه تجدر ملاحظة ما يلي:
1- أن المبادرة إلى النكاح لمن استطاع الباءة أولى من التأخير، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء. رواه البخاري ومسلم.
2- أن نصوص الشرع قد دلت على أن المتزوج يلقى سنداً وعوناً من ربه سبحانه، روى الطبري في تفسيره عن ابن مسعود قال: التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله تعالى: إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ.
3- أن زواج الرجل من غير إخبار أبويه، يعد زواجاً صحيحاً لا شبهة فيه البتة إذا كان عاقلاً، ومالكاً لأمر نفسه، لكن هذه الأمور يقابلها من جهة أخرى أن طاعة الوالدين في المعروف من أهم أمور الدين، إذ قرن الله حقه في الشكر بحقهما، والأمر بالإحسان إليهما بالنهي عن الشرك، قال الله تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان:14}، وقال تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {النساء:36}، وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا {الأحقاف:15}، وعليه، فينبغي أن تسعى في إقناع والديك بكل ما تستطيعه من الوسائل، وإن علمت أنهم لن يستجيبوا مهما كان الأمر، فإنك في ذلك تكون أمام احتمالين:
الأول: أنك إن وجدت من نفسك حاجة شديدة إلى النكاح، بحيث تخشى الوقوع في الحرام إن لم تتزوج، فالواجب عليك -حينئذ- هو المبادرة إلى الزواج.
الثاني: أنك إذا استطعت تأخير أمر الزواج إلى الزمن الذي يرضى به أبواك، دون أن يحملك ذلك على الوقوع في الحرام فإن طاعتهما -حينئذ- قد تكون أولى لما علمته لهما من الحقوق.
ولمعرفة حكم قول: شاءت الأقدار. نرجو مراجعة الفتوى رقم: 26137 .
والله أعلم.