الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه لا أحد يقول بجواز الاقتداء بالكافر والعياذ بالله تعالى، لكن كيف يحكم على شخص مسلم تقدمه جماعة من المسلمين للصلاة بهم بالنفاق أو الخروج عن الملة؟! إن تكفير المسلم أو رميه بالنفاق أمر خطير، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال لأخيه المسلم يا منافق ونحوها أنه يعزر. أي يعاقب عقاباً يردعه عن أن يتجرأ على مثل هذا الكلام، قال في كشاف القناع، في الفقه الحنبلي: ويعزر بقوله يا كافر يا منافق يا سارق يا أعور يا أقطع يا أعمى يا مقعد يا ابن الزمن الأعمى الأعرج يا نمام. انتهى.
وحيث إن السائل لم يذكر الأعمال التي يرى أن الإمام المذكور يمارسها ويعتقد هو أنها من النفاق أو أنها قد تخرج عن الملة فإننا لا نحكم عليه إلا بجواز الاقتداء به وأهليته للإمامة كما يدل على ذلك تقديمه من قبل جماعته، ولو كرهه بعض المأمومين فإن ذلك لا يمنع تقدمه؛ إلا إذا كرهه أكثرهم لأمر يتعلق بدينه فعند ذلك يحرم تقدمه عليهم مع أن الصلاة خلفه صحيحة، كما سبق أن أوضحنا في الفتوى رقم: 26508.
فإن كرهه الأقل من الجماعة أو كرهه أكثرهم لشيء لا يتعلق بدينه لم يحرم تقدمه، ثم إن منع التقدم للإمامة في الحالة التي يمنع فيها إنما يتعلق بالإمام، أما المأموم فلا يكره اقتداؤه بالإمام المكروه، قال النووي في المجموع: بعد أن ذكر ما روى الترمذي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عنها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون. وما في سنن أبي داود وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة وذكر منهم، من تقدم قوماً وهم له كارهون. قال الشافعي وأصحابنا رحمهم الله: يكره أن يؤم قوماً وأكثرهم له كارهون، ولا يكره إذا كرهه الأقل، وكذا إذا كرهه نصفهم لا يكره.. إلى أن قال: وإنما تكره إمامته إذا كرهوه لمعنى مذموم شرعاً كوال ظالم، وكمن تغلب على إمامة الصلاة ولا يستحقها، أو لا يتصون من النجاسات، أو يمحق هيئات الصلاة، أو يتعاطى معيشة مذمومة، أو يعاشر أهل الفسوق ونحوهم أو شبه ذلك، فإن لم يكن شيء من ذلك فلا كراهة والعتب على من كرهه، هكذا صرح به الخطابي والقاضي حسين والبغوي وغيرهم.... إلى أن قال: وحيث قلنا بالكراهة فهي مختصة بالإمام، أما المأمومون الذين يكرهونه فلا يكره لهم الصلاة وراءه. هكذا جزم به الشيخ أبو حامد في تعليقه ونقله عن نص الشافعي. انتهى.
واعلم أن المعايير التي يقدم لأجلها الشخص للإمامة على غيره لا تعني أن كل من لم يتصف بها لا يصح الاقتداء به، بل إنها مذكورة من باب الأولوية، فمثلاً: يقدم في الإمامة الأقرأ؛ لكن يصح أن يصلي غيره إماماً إذا توفرت فيه شروط الإمامة الأخرى من كونه مسلماً ذكراً غير أمي أي يحسن قراءة الفاتحة إلى غير ذلك وهكذا.
وخلاصة القول أن الصلاة في الجماعة فرض على الرجل المستطيع، وكون المأموم لا يحب الإمام لا يسوغ له التخلف عن الجماعة، اللهم إلا إذا تحقق من إمامه ما يقتضي خروجه عن الملة، فعند ذلك لا يجوز له الاقتداء به، وحينئذ يصلي في جماعة أخرى في بيته أو غيره، لكن لا يجوز التسرع في الحكم على المسلم بما يقتضي الكفر إذ قد يكون الأمر غير مكفر في الحقيقة ويظنه بعض من لا رسوخ لهم في العلم مكفراً، ولذلك يجب الرجوع في مثل هذا إلى العلماء.
ولبيان النفاق المخرج عن الملة والنفاق الذي يعتبر فسقاً فقط يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 94258، كما يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 9642، لمعرفة الشروط التي يجب توافرها في إمامة الصلاة.
والله أعلم.