الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحياة الزوجية مبناها على الألفة والمودة والتفاهم، لكن قد يقطع ذلك أمور عارضة للطبيعة البشرية، وسرعان ما تزول وتتلاشى إذا عولجت بحكمة ورزانة، وما من زوجين إلا ويحدث بينهما ذلك، وبناء عليه فإننا ننصحك بالصبر على زوجك والتغاضي عما يمكن التغاضي عنه من هفواته وزلاته وإسداء النصيحة والتذكير ما أمكن، وما دام أساس المشكلة هو كتمانه لبعض الأمور عنك مما يتعلق بالمصاريف المادية لكما أو نحوه فالأمر هين، ولا ينبغي أن يكون سبباً في همك وغمك وإن كان عودك على المصارحة والمشورة إذ لا ينبني على عدم ذلك شيء، ولا يجب عليه سيما إن كان مما يتعلق بخصوصياته، وكل إنسان له خصوصيات لا يريد أن يطلع عليها أحداً، وربما كان سبب كتمانه لذلك عنك أنك تكثرين من لومه ونحو ذلك، وحتى لو كان فعله اعتباطاً فلا ينبغي أن يكون سبباً لما ذكرت من الآثار النفسية والمرضية عليك، ولعل سبب ذلك هو الوساوس والهواجس وما يلقيه الشيطان في خلدك مما تحسبينه سبباً لتغير سلوكه معك، فأعرضي عن ذلك صفحاً ولا تضربي بتلك العشرة الطويلة بينكما عرض الحائط لهفوة أو زلة كما ترينها، ونعيذك من كفران العشير الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: .... إني رأيت الجنة فتناولت عنقوداً لو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: بم يا رسول الله، قال: بكفرهن، قيل يكفرن بالله، قال: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط. متفق عليه.
وأما أن تسأليه أن يعيدك وأبناءك إلى وطنك فلا حرج في ذلك، لكن إن رفض فتجب عليك طاعته والبقاء معه، ولا ننصحك أن تسأليه ذلك بل تصبري معه وتحاولي معالجة الأمر بهدوء وحكمة وتتغاضي عما يمكنك التغاضي عنه ولو كتم عنك بعض أموره فلا ضير، ولا تسأليه عنها فربما إن أبداها لك ساءتك فكتمانها خير.
هذا فيما يخصك، وأما هو فنذكره بالله ونقول له إن عليك أن تتقي الله عز وجل في نفسك وزوجك وتتوب مما صرت فيه من سماع الأغاني والنظر إلى المحرمات وغير ذلك مما يغضب الباري سبحانه وتعالى، وعليك أن تعمل بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في علاج ذلك كما عند مسلم وغيره من حديث جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال: إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه. وفي رواية: إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه. وقد بينا جملة من الأسباب المعينة بإذن الله على كسر الشهوة ومعالجة فتنة النظر ونحو ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30425، 31368، 74992، 65425، 68751.
كما ننصحك بمراعاة شعور زوجك وأم أولادك وإحسان عشرتها وإكرامها، واعلم أن إكرام المرأة دليل على الشخصية المتكاملة، وإهانتها دليل على الخسة واللؤم، فما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم، وينبغي أن تراعي السن التي وصلت إليه فهي تمام النضج وكمال الرشد والحلم والإكثار من محاسبة النفس والإقبال على الآخرة فقد اقترب الرحيل عن هذه الدنيا فهذا هو شأن العاقل إن بلغ الأربعين، وليس التهور والتصابي، فاحفظ نفسك وبيتك ولا تكن سبباً في هدمه فتشتت عائلتك وأبناءك، واسمع إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. وقوله صلى الله عليه وسلم: استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء. متفق عليه، وللمزيد من الفائدة ننصحكما بمراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 93919، 2589، 3698، 5381.
والله أعلم.