الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه، وأن يرزقك زوجاً صالحاً تقر به عينك، وتسعد به نفسك؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه. وأما ما سألت عنه فاعلمي أن من رحمة المولى بنا ويسر هذه الشريعة السمحة التي أرسل بها نبيه صلى الله عليه وسلم رفع المؤاخذة بالخطأ فهو معفو عنه، قال الله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {البقرة:286}، وثبت في صحيح مسلم أنه قال: قد فعلت، وقال سبحانه وتعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الأحزاب:5}، وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه.
فلا حرج عليك فيما كان منك على سبيل الخطأ من نظرة أو غيرها، وعليك أن تبتعدي عن تلك الأسباب التي تؤدي بك إلى ذلك، كما لا حرج عليك في مجرد التفكير أو تمني ذلك الرجل لما سمعت عنه من الصفات الحميدة، والأولى لك أن تصرفي الفكر عنه، واسألي الله تعالى أن يرزقك زوجاً صالحاً، وقد يكون هو وقد يكون غيره، ممن هو خير لك منه، وعلى فرض أنه خطبك وأراد أن يتزوجك فلا حرج عليك في ذلك، ولا ظلم فيه لزوجته؛ لأن من حقه أن يعدد إن استطاع، ولكن لا تشترطي عليه طلاقها حتى تقبليه زوجاً لأن ذلك من الأمور المنهي عنها، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، أو يبيع على بيعه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في صحفتها أو إنائها، فإنما رزقها على الله تعالى.
وأما هل هذا بلاء وامتحان أم عقاب من الله؟ فنقول لك إن الحياة كلها ابتلاء وامتحان، فسراؤها ابتلاء للشكر، وضراؤها ابتلاء للصبر، قال الله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35}، وقال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك:2}، وقال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُون* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {العنكبوت:2-3}، وقال صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن: إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم.
وأما الآية التي ذكرت وهي قوله سبحانه: أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء {فاطر:8}، وهذا هو لفظها الصحيح، وينبغي الحيطة عند نقل الآيات وذكرها وليس فيما ذكرت ماله علاقة بها، فالله سبحانه وتعالى يضل من يشاء ويهدي من يشاء كل ذلك بقضائه وقدره وحكمته، لا معقب لحكمه، فاحمديه سبحانه على نعمة الإيمان والإسلام، واشكريه أن هداك وجعلك من عباده المهتدين، واستقيمي على طاعته، وامتثلي أمره، واجتنبي نهيه، واسأليه ألا يزيغ قلبك بعد إذ هداك، وأكثري من ذكره فبذكره تطمئن القلوب وتسعد النفوس وتنشرح الصدور، كما قال سبحانه: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}، ولمعرفة حكم الحب في الإسلام وكيفية علاجه انظري الفتوى رقم: 5707، والفتوى رقم: 9360.
والله أعلم.